العدد 1309 - الخميس 06 أبريل 2006م الموافق 07 ربيع الاول 1427هـ

أمسية جميلة مع الصم

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أسبوع، وفي مساء الخميس الماضي تحديداً، شهدت حفل تكريم مجموعة من «الصم والبكم»، ممن شاركوا قبل أسابيع في تقديم أول مسرحية تاريخية دينية للصم على مستوى الخليج.

المجموعة غالبيتها من الشباب اليافع، الذي كان يعيش على هامش المجتمع، ولكي نقترب من واقعهم، علينا أن نتخيل حياة تنعدم فيها القدرة على النطق والسمع، وما يعنيه ذلك من حرمان من أهم وسائل تلقي المعرفة.

هؤلاء كانوا يعيشون على هامش المجتمع بمعنى الكلمة، ويتلقون معاملة تختلط فيها الشفقة بالحنان، مع الإهمال والشعور بالتقصير، والنتيجة استمرار العزلة. مثل هذه المعاملة الجافة تقود إلى مشاعر عدائية وردود فعل مكبوتة، ولعلنا نندهش كثيراً إذا علمنا أنهم يشعرون بأننا نكرههم ونحقد عليهم، وعندما تسأل: كيف؟ يجيبونك: «إنكم لا تسلمون علينا، لا تضحكون معنا، لا تحاولون التحدث معنا ولو بالإشارة. تمرون علينا وكأنكم لا تروننا، أليست هذه من علامات الكراهية؟».

هذه الفئة المهمشة، أتيحت لها منذ ثلاثة أعوام، فرصة تاريخية للخروج من القوقعة، ببدء ترجمة المحاضرات الدينية في موسم عاشوراء. قبل ذلك، كانوا يلاحظون ما يجري من فعاليات وتغييرات كبرى على حياة المجتمع اليومية في شهر محرم، من دون أن يدركوا أبعاد القصة، فجاءت الترجمة لتفتح لهم كوة في جدار «المجتمع الناطق».

وفي الموسم الأخير، بادر أحدهم إلى اقتراح عمل مسرحية يقومون بتمثيلها بأنفسهم، وهكذا استجابت لهم لجنة الصم والبكم، حتى تكللت تلك الجهود بمسرحية أثنى عليها الحضور. وفي لفتة طيبة، بادرت اللجنة إلى تكريمهم في أمسية جميلة، قدمت خلالها الدروع التذكارية للممثلين، تقديرا لمستوى الأداء المتميز، وتشجيعاً لهم على مزيد من الاندماج والعطاء، ليعيشوا حياتهم الطبيعية بعيدا عن أطواق العزلة.

اللجنة قدمت دروعاً أخرى للداعمين لجهودها وفعالياتها، وحضر الحفل عدد من أولياء أمور الممثلين، الذين أبدوا ارتياحهم الكبير لتنظيم هذه الفعالية التي فتحت أبوابا جديدة في حياة هذه الفئة من المجتمع.

صاحب الاقتراح نفسه مثل دور الشمر بن ذي الجوشن، قاتل الإمام الحسين (ع)، وكان صارم الملامح في التمثيل، هو الوحيد الذي جاء متأخرا في تلك الأمسية الجميلة، فقد وصل قبيل ختام الحفل، وعلى رأسه عصابة، وعلى قميصه آثار دماء، تبين انه تعرض لحادث مروري، فقال له بعضهم مازحا: «هذه عقوبة تمثيلك دور الشمر»!

سألت أحد أعضاء اللجنة: ما الفرق في حياتهم بين الأمس واليوم؟ فابتسم وقال: «الفرق كبير... كنا عندما نمر عليهم نشعر بنظرات الكراهية والنفور، أما اليوم فكما ترى هذا الارتياح والفرح لديهم، أصبحنا قريبين منهم، وأخذوا يشعرون بأننا أصدقاء».

إحدى الأمهات أرسلت برسالة هاتفية إلى أحد أعضاء اللجنة تقول فيها: «يكفيك فخراً نجاح تكريم الصم والبكم، فابنتنا أصبحت تعيش في عالم غير»

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1309 - الخميس 06 أبريل 2006م الموافق 07 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً