في العام 1959 غرقت العبارة المصرية دندرة قبالة ساحل القناطر الخيرية في نهر النيل، وكنا نحن الطلبة ننعم بقضاء إجازتنا في هذا المنتجع الجميل عندما غرقت دندرة كانت تبعد أمتاراً قليلة عن المرسى النهري وعلى متنها أكثر من مئة راكب مع عائلاتهم وأطفالهم. كانت مأساة إنسانية مروعة ذهب ضحيتها معظم الذين كانوا على متنها، لعدم إجادتهم السباحة، وقفز بعض الناجين إلى الرصيف النهري نظرا إلى قربه من العبارة الغارقة.
يومها سيقت كثير من الأسباب غير المعقولة وغير المنطقية والمتعلقة بالأنظمة وقوانين النقل النهري بل والبحري. وقدمت توصيات وأنظمة لوزير النقل تنادي بضرورة حماية أرواح الركاب وأطقم المراكب والتأمين على العبارات والسفن، وأن تكون إجراءات السلامة كاملة. واليوم بعد حادث غرق العبارة المصرية (السلام) والتي كانت تحمل 1400 راكب وهي متجهة من جدة إلى ميناء سفاجة المصري، ماذا تم بعد التعازي والمواساة في وفاة أكثر من ألف شخص؟ وماذا سيلقاه ذوو الضحايا الأبرياء من تعويض؟
ومن المضحك أن الأنباء ذكرت أن القبطان كان أول من غادر العبارة في زورق إنقاذ، واختفى بعد ذلك! ولم يظهر له أي أثر وتعددت الأسباب وكثرت الأعذار! كانت «دندرة» غرقت في ثوان في مياه النيل، بينما غرقت عبارة «السلام» في دقائق عدة في مياه البحر الأحمر. والغريب أن المعلومات عن غرق العبارة وصلت إلى الجهات المسئولة في صباح اليوم الثاني، ولم تكن هناك قوارب إنقاذ كافية، وحتى الموجودة بقيت في مكانها، وكانت جهود الإنقاذ بطيئة جداً. وكثير من الخبراء في مجال النقل البحري يؤكدون أن البواخر العربية أو بواخر العالم الثالث تكتظ عادة بالركاب فوق طاقتها بأضعاف مضاعفة، ولا سيما فوق أسطح البواخر التي تخلو من المقاعد والخدمات، وكذلك زيادة عفش الركاب بصورة غير قانونية. وهذه السفن تتجاوز العمر الافتراضي، إذ يجب ألا يزيد عمر الباخرة على عشرين عاما حسب الأنظم الدولية الأوروبية والأميركية. وهناك اتفاق سولاس العام 1974 والمتعلق بسلامة الأرواح في البحر، وهو بمثابة دستور بحري ملزم لجميع أعضاء المنظمة الدولية للملاحة البحرية، وهذا الاتفاق جاء بعد فجيعة العالم بغرق السفينة العملاقة (التيتانيك 1912) وأدى غرقها إلى موت الآلاف من الركاب. ويفترض نشر ثقافة السلامة بين الركاب وإجراءات تدريبات على التصدي للحالات الطارئة كالحريق وتوزيع الركاب وإنقاذهم وتوفير سترات النجاة وقوارب الإنقاذ وإجراء الصيانة السنوية المعتادة لها بعد أن تتعرض لانتهاء الصلاحية. والبواخر الأوروبية أشبه بالفنادق العائمة، وعدد الركاب يكون محسوبا ويقابلهم عدد مناسب من الأطقم على خدمة الركاب. فالبواخر الأوروبية لا يزيد ركابها على ألف راكب بينما البواخر العربية التي في حجمها يزداد عدد ركابها على ثلاثة آلاف.
هذا الحادث ذكرني بحادث انهيار بناية سكنية في شارع عباس العقاد بمدينة نصر في مصر المحروسة في يناير/ كانون الثاني 2004 وأرجعت أسباب انهيار البناية أولاً إلى حريق كبير. إلا أن مصادر موثوقة أكدت أن سبب الانهيار يعود إلى إقامة سبع طوابق إضافية مخالفة، إلا أنه يذكر بالتقدير والعرفان أن غالبية الضحايا كانوا من رجال الشرطة ومن رتب كبيرة من الضباط، إذ نجحوا في إنقاذ المدنيين من الموت بينما ضحوا بحياتهم من أجل إنقاذ سكان العمارة.
وفي الشهر والسنة نفسيهما حدثت كارثة طائرة الموت البوينغ اللبنانية، وهي طائرة قديمة وتفتقر إلى وسائل السلامة الدولية المتعارف عليها، وتعمل بين بيروت وغينيا في إفريقيا. وأسعار تذاكر هذه الطائرة غير ثابتة وتخضع للمساومة والفصال والدفع يكون نقداً ومقدما، ولا يقبلون البطاقة الائتمانية، وأبناء صاحب الشركة يؤدون أعمالاً يفترض أن تؤديها المضيفات! وأخيراً أذكر بالتقدير الباخرة التونسية الدولية قرطاج واستضافتنا وزارة الخارجية التونسية على متنها في رحلة قريبة من السواحل التونسية في العام 1999. كانت الضيافة كريمة ورائعة واستلزم منا نحن الدبلوماسيين رسالة شكر إلى وزير خارجية تونس آنذاك حبيب بن يحيى
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1308 - الأربعاء 05 أبريل 2006م الموافق 06 ربيع الاول 1427هـ