العدد 1305 - الأحد 02 أبريل 2006م الموافق 03 ربيع الاول 1427هـ

سنلتقي... فصوت العقلاء أقوى

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

لماذا اعتدنا أفرادا وجماعات أن نتصيد الكلمات والتصريحات والخطب المتوترة الصادرة من صغار القوم وجهالهم، لنحركها في واقعنا فتزيده حقدا وغضبا، بينما نتغافل عما يصدر من أهل العلم وأصحاب المكانة والموقعية في بلادنا وإن ملئت ببشائر الخير والأمل؟

على امتداد شهر صفر المنصرم كانت هناك مقابلات وتصريحات شفائية وبلسمية لعدد من رجال العلم وأصحاب الفضيلة في بلادنا وقد انعكست واضحة على صفحات جرائدنا المحلية، وهي تتزين بدعوات التلاقي والحوار بين مكونات المجتمع.

كان السؤال الذي وجهته جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 17/2/1427هـ إلى فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء في السعودية سؤالاً مهماً ومباشراً: «ماذا عن الحوار مع الفرق المختلفة كالشيعة والصوفية؟»، ولم يكن رد الشيخ قاصراً في وضوحه وبيانه فقد أجاب أن «من أسباب جمع الكلمة الحوار الهادف والهادئ وهذا اقتداء بالرسول (ص) عندما تحاور مع النصارى في مسجده، فكيف بإخواننا من الفرق الإسلامية الأخرى».

هذا السؤال وذاك الجواب أعقبتهما صحيفة «الشرق الأوسط» بتاريخ 22/2/1427هـ بمقابلة مع الشيخ صالح السدلان، وقد عرفته الصحيفة بأنه عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض والمفتي المشهور، وقد قال: «يجب الاعتراف بأنه يوجد في السعودية تعصب فكري يجب أن يعالج، وأكد وجود سلبيات في الخطاب الديني الحالي، وانه بحاجة إلى إعادة النظر والتقويم، ثم أشارت الصحيفة إلى أن الشيخ السدلان يتفق مع الفقيه السعودي الشيخ عبدالله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، الذي دعا إلى إجراء حوار ديني يتسع لجميع الفرق الإسلامية بالسعودية بمن فيها الشيعة برعاية القيادة السياسية».

أما فضيلة الشيخ عبدالمحسن العبيكان المستشار في وزارة العدل وعضو مجلس الشورى فقد ذهب في ملحق صحيفة «المدينة» المعروف (الرسالة) 17/2/1427هـ إلى «صوغ وثيقة بين السنة والشيعة تكون ملزمة للجميع».

وفي رده على سؤال الأستاذ عبدالعزيز قاسم: أنت يا شيخ عبدالمحسن تدخل طائفة الشيعة في عموم المسلمين غير أن إخواننا هؤلاء يشتكون بأنكم تكفرونهم.

رد الشيخ «ليس بصحيح هم يدخلون في عموم المسلمين، ولكن قد يرتكب بعضهم المكفرات، فنقول هذا العمل كفري ولكن لا نكفر العامل به أو قائله إلا بعد تحقق الشروط وانتفاء الموانع، كما نطبق هذا في أهل السنة الذين نرى أنهم ارتدوا، هذا قول محققي العلماء».

نحن إذا أمام بشائر، وعلى أعتاب نقلة نوعية تشكل طبيعة العلاقة التي يجب أن تسود بين مكونات مجتمعنا وطوائفه، والداعون للحوار أعلم على أية أرضية سنتلاقى ونتحاور، ومن أية نقطة سنبدأ، لأن أرضية الحوار يمكن أن تشكل مادة خصبة للحكم على الحوار بالنجاح أو الفشل، ولأننا مجتمع يريد حواراً ناجحاً لا فشل فيه ولا انكسار، كان لابد من التنبيه إلى خطر الانزلاق في الأمور العقدية.

الحوار العقدي اشبع لأكثر من 1400 عام كان أخرها حوار التشاتم الفضائي على قناة المستقلة، ثم ماذا؟ بقيت العقائد ثوابت مقدسة لدى الجميع لا تقبل المس ولا تصلح مادة للتفاوض والابتزاز من أي طرف للآخر، كما أن التجارب أثبتت أن هذا النوع من الحوار «إن لم يكن هدفه هو التعرف على الطرف المقابل فقط»، فإنه يزيد الشقاق ويوسع الهوة ويمرض القلوب، ويزيد الوهن والضعف في عالمنا الإسلامي العليل.

لقد أشار المشايخ في ثنايا كلماتهم إلى أرضيات الحوار المناسبة.

الأولى: أرضية الدين، فالإسلام قاسم مشترك، ومحل توافق بين الكثير من الطوائف التي تختلف على التفاصيل، ولكنها تشترك في الإيمان بالله والطاعة لرسوله، والعمل بكتاب الله (القرآن)، وقد أشار المشايخ الثلاثة إلى هذه الأرضية الصلبة بقولهم «هم داخلون في عموم الإسلام» وقولهم «إخواننا من الفرق الإسلامية الأخرى» وقولهم «إجراء حوار ديني يتسع لجميع الفرق الإسلامية بالسعودية».

أرضية الإسلام هذه هي من أصلب الأرضيات الملزمة لما تحتويه من حقوق وواجبات للمسلمين تجاه بعضهم، ولعل أعلاها هي عصمة دمائهم، وحرمة أعراضهم، واحترام أموالهم، ثم التعامل مع بعضهم بالحسنى في شتى الأمور ومختلف النواحي.

الثانية: هي أرضية الوطن، هذا الحيز الجغرافي العزيز على قلوب الجميع، والبقعة التي نشترك سويا في الالتزام بقوانينها الإدارية والتنظيمية ونوالي قيادتها السياسية ونستظل بوافر خيرها وعطائها.

إننا مسئولون أمام الله وأمام أنفسنا وأجيالنا عن عمارة هذه الأرض وبنائها وحمايتها من كل سوء أريد بها، وكل خطر محدق يحوم حولها. إن الأمانة تقتضي أن نكون مسئولين عن تنميتها وتقدمها لتكون طودا شامخا ومنافسا على مواقع الريادة والتقدم، وهذا الطموح لا يمكن أن يتحول إلى واقع ملموس وإلى وجود محسوس ما لم يسمو الإحساس بالوطن في نفوس أهله وقاطنيه، وهذا ما ورد على لسان المشايخ الثلاثة من ضرورة أن يكون الحوار «تحت مظلة الدولة» أو «برعاية القيادة السياسية».

ولاشك أن الحديث عن دولة وعن قيادة سياسية في الحوار تعني اعترافنا بسياج يضمنا وراية تحمينا وهي راية الوطن.

الثالثة: المصير الواحد، التحديات جمة، والزلزال الذي ينتقص أطراف العالم الإسلامي ثقافيا وعسكريا وصل إلى قلبه وجثمت مكائده وخططه على الصدور ومواراة النعام لرأسه في الرمال سياسة فاشلة في عالم التحدي والهيمنة، لا سبيل لنا إلا أن نواجه بثقة وأن نتحدى بعزيمة صلبة، وذلك لن يكون ولن يتحقق إلا بالالتفات إلى واقعنا العربي والإسلامي، وإصلاح ما فيه من خلل وتمزق وتشرذم وخلافات وتقاتل واستقواء على بعضنا، لا سبيل إلا بالاتحاد والوحدة ورضا بعضنا ببعض لعلنا نستطيع بذلك أن نسترد بعض ريحنا التي ذهبت بسبب التنازع والخلاف وما اتبعه من فشل.

أيها القارئ الكريم، يا أخا الدين ويا ابن الوطن: نحن جميعا مسلمون ولنا دولة وقيادة سياسية، يجمعنا بها سياج الدين والوطن، كما أن لنا مصالح وتحديات لن نحقق فيها ذاتنا ولن ننتصر على من ناوأنا ونحمي ديننا وأرضنا إلا إذا اتحدنا.

كاتب وعالم دين من السعودية

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1305 - الأحد 02 أبريل 2006م الموافق 03 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً