على رغم التطور الذي حصل على مستوى الفهم والقبول بالآخر الثقافي في العالم، فانه لايزال ينقصنا في عالمنا أشياء كثيرة حتى نرتقي إلى مستوى ثقافات العصر. وإلا لما كنا عانينا من التهميش والإقصاء وأصبحنا أسرى لحكم الغالبية الذي لم يلعب حتى دور الأب ودور الراعي أو الحكم الصالح.
في إحدى المرات، كنت أناقش أحد الأصدقاء عن منبع التطرف العربي وعن مصدر إنعاش العروبة السلبية، فكان صديقي يقول إن مصر هي الدولة العربية التي تصدر العروبة السلبية، وكنت أخالفه في ذلك على أساس أن تجربة المؤسسات في مصر قديمة، فهناك قانون للأحزاب، وهناك هامش للديمقراطية، ومن هناك ظهرت فكرة تحرر المرأة (قاسم أمين وهو من أصول كردية)، وأول مطبعة وصلت إلى مصر (في أيام الاستعمار)، وهناك دارت النقاشات والصراعات بين الاتجاهات والمشارب الفكرية المختلفة. ومصر كانت تكره ثقافة التهميش، وتحديداً قبل أن تتحول إلى دولة قومية، فضلا عن ذلك فإن الدولة أطول عمرا من أية دولة عربية أخرى، لكل ذلك من المفترض أن تسود بين أبنائها ثقافة مدنية بعيدة عن الاستعلاء القومي أو الديني.
وفي الحقيقة عندما نتمعن في ثقافة وتفكير مثقفيها نتفق شيئاً مع اطروحات الصديق الذي كان يحاورني. فمصر الآن بلد مصطفى بكري الذي يدافع بلا هوادة عن الدكتاتوريات والقمع والحك الاستبدادي... وغيره الكثير من المثقفين. لكن يجب ألا ننسى ان مصر مازالت بخير، فهي مرتع للتنوير، وهناك من يضحي لأجل بلورة الديمقراطية ومفهوم المجتمع المدني. ورأينا كيف تحدى سعدالدين إبراهيم السجن والحكم القاسي، فهو محل اعتزاز لمصر ولكل العرب. كما يجب ألا ننسى دور طه حسين وغيره من العمالقة. ولا نستغرب عندما نجد هناك أناسا وهم معرفون بالنخبة المصرية، يعيشون بعيداً عن التطور والتغير الذي حصل على مستوى الديمغرافيات والأجناس، إذ تبدلت المواقع والآفاق. في الولايات المتحدة الاميركية نفسها كان ممنوعاً قبل سنوات على السود ركوب بعض السيارات أو المشي في الشوراع، بسبب التمييز العنصري الفاضح. واليوم وزارة الخارجية الأميركية تتقلدها امرأة تنتمي إلى القوم السود، وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة، وفي جنوب إفريقيا إذ البطل نيلسون مانديلا... لكن للأسف في عالمنا العربي، الوحيد المتخلف عن الركب، مازال يرى البعض حصول الأقليات على حقوقها، ومن بينهم الأكراد، كارثة، وكذلك الشيعة التي ينظر إليها وإلى فيدراليتهم على انها جريمة بحق «العروبة». بل ويعتبرون وصول الأقباط إلى البرلمان المصري يشكل خطراً على الدين!
أتعجب كيف يقبل رئيس حزب التجمع المصري رفعت السعيد على نفسه القول خلال اجتماع لجنة الشئون العربية والخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى المصري: «إن صعود الأكراد ووصولهم إلى الحكم في العراق يعتبر كارثة حقيقية»! ونسي السعيد أن للأكراد دورا كبيرا في بناء الحضارة الاسلامية، ونسي أن صلاح الدين الأيوبي لم يتول حكم دولة عربية بل قاد حملة اسلامية ضد الغزاة وحرر القدس. ونسي السعيد يوسف العظمة، كما نسي أن الأكراد هم من أضافوا للثقافة العربية رونقا وجمالا في كل دولة عربية يتواجدون فيها، كما ان لهم دورا مهما في الدفاع عن الوطن والدولة، ولا يشكلون الخطر عليها.
كيف سنصدق هذا الرجل ونحن نرى الرئيس العراقي جلال الطالباني لا يفوت الفرصة إلا ويركز على حكومة الوحدة الوطنية؟ ألا يشكل الأكراد اليوم جزءا من الحل العراقي؟ ألا يلعبون اليوم دور الوسيط بين الأطياف العراقية؟ ومن كان يدافع عن حقوق الأقليات (كالتركمان والاشوريين وغيرهم) في مجلس الحكم؟ وهل سمع السعيد أن الأكراد يحاولون لكي يتملص العراق من القضية العربية المركزية؟
أعتقد أن للاكراد دورا مهما في بناء العراق الجديد، وهم سيلعبون إلى جانب الأطياف العراقية الأخرى دوراً أهم في العراق، فوجودهم في الحكم يساعد في نهضة العراق وليست «كارثة»
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 1301 - الأربعاء 29 مارس 2006م الموافق 28 صفر 1427هـ