العدد 13 - الأربعاء 18 سبتمبر 2002م الموافق 11 رجب 1423هـ

الشعب، الجمعيات السياسية، الحكومة... مستقبل الانتخـابات البرلمانية المقبلة

محمد حسين زيد الجمري comments [at] alwasatnews.com

.

في بلدان العالم يكون هناك نظام حكم وتكون هناك معارضة وجمعيات سياسية وثقافية واجتماعية، ويكون على رأس كل هؤلاء الدستور الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم فيعرف الشعب دوره ومكانته في ظل النظام القائم ويقوم بممارسة أعماله في ظل القوانين المرعية للنظام، ويطالب بحقوقه الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية. في ظل القائم في البحرين ومنذ النضال الدستوري الأول في الثلاثينات والخمسينات كانت الحركة الوطنية تطالب بمجلس تشريعي منتخب وحرية الأحزاب وحرية الجمعيات والقضاء المستقل.

وعندما قام النظام العراقي بغزو الكويت واحتلها في العام 1991م، وحدثت بعد ذلك حرب عاصفة الصحراء لتحرير الكويت، قام شعب البحرين بتقديم عرائض شعبية لأمير البحرين المغفور له بإذن الله الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، واستمر ذلك النضال المطلبي الدستوري في صورة مظاهرات واحتجاجات سلمية لكافة أبناء الشعب سنة وشيعة، وشمل جميع الفئات والتوجهات السياسية والثقافية والفكرية من أجل التوصل إلى صيغة مرضية بين الحاكم والمحكوم للمشاركة في صناعة القرار السياسي مع بقاء النظام السياسي القائم وعدم المساس به ولا التعرض اليه. وقدم شعب البحرين في هذا الطريق قائمة من الشهداء والجرحى.

أما مطالب الشعب في البحرين فكانت: دستور، وبرلمان واحترام حقوق الانسان، وعودة المبعدين السياسيين والمهجرين، والقضاء على البطالة والفساد الاداري وحالة التمييز الطائفي، وغير ذلك من المطالب المشروعة والعادلة التي احترمها العالم حيث أبدت شعوب العالم تضامنها مع هذا الشعب لتحضره ومستواه الرفيع في عرض مطالبه لحكومته.

وعندما تسلم العرش خلفا له عظمة الملك سمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة بدأ بمعالجة الازمة السياسية في البحرين وقام في بداية تسلمه الحكم بمد الجسور مع قادة الشعب من العلماء والوجهاء، وقادة المعارضة الدستورية لكي يتوصلوا جميعا لحل الازمة والاتفاق على صيغة مقبولة لحل الازمة السياسية وتثبيت دعائم الحكم.

واستقبل الشعب وقادته نداء عظمة الملك برحابة صدر من اجل التوصل إلى حل للأزمة الخانقة التي عصفت بالبحرين وبادرت الاطراف الشعبية إلى الإشادة بعظمته على أنه الشخص السياسي والقيادي في الحكم والرجل الاول الذي سوف يحقق طموحات شعبه في الوحدة الوطنية واعطاء الشعب شخصيته التي كان يطالب بها منذ سنين متطاولة.

وقد قدم الملك في بداية الامر ميثاقا وطنيا للشعب والامة وللقيادات الدينية والشعبية، وكان الميثاق ـ رغم بعض النواقص التي رأتها القوى السياسية والدينية ـ مقبولا لدى المعارضة والقوى السياسية والشعبية وعلماء البحرين، حيث طالب عظمته الجميع بالتصويت على الميثاق، وأعلن العفو العام، وأرجع جميع المبعدين السياسيين ومجموعة لا بأس بها من المهجرين، استبشر الشعب في البحرين خيرا وطلب من أولاده وبناته وأمهاته ونسائه، وكل من يشمله قانون التصويت وبلغ السن القانوني الذهاب لصناديق الاقتراع والتصويت والادلاء بكلمة «نعم» للميثاق، وأدى ما عليه من أمانة تاريخية امتثالا لنصائح قادته العلماء وقادته الشعبيين حتى تخرج البحرين من الازمة وتفرج، ويعود الأمن والاستقرار إلى البحرين. وبالفعل لقد رجع الأمن والاستقرار إلى البحرين وعاد المبعدون السياسيون وبعض المهجرين إلى أرض الوطن، واكتملت الفرحة بهم، وقام عظمة الملك باطلاق سراح المعتقلين المحكومين بالاعدام الى أهاليهم بطلب من العلماء... وعندما جاءت الذكرى السنوية للميثاق أعلن سموه عن مملكة البحرين الدستورية الوراثية، وأعلن عن تعديلات دستورية جديدة أعلن بموجبها دستوارجديدا معدلا في الرابع من فبراير/ شباط لعام 2002م الجاري، يقضي بجمع مجلس الشورى المعين مع المجلس الوطني المنتخب تحت قبة واحدة وتعطى لمجلس الشورى صلاحيات التشريع.

تحفظت المعارضة على تلك التعديلات وطالبت الحكومة والملك بأن يراجعوا تلك القرارات التي تخالف الاتفاق.

ويرى الطرف المعارض (الجمعيات السياسية) ان الاصلاحات السياسية في البحرين لم ترق إلى مستوى آمال الشعب وتطلعاته، وان الشعب وافق على المشاركة والتصويت على ميثاق العمل الوطني شريطة التزام الطرف الرسمي بتعديل الدستور عبر المادة ( 104ت) من دستور 1973م.

الساحة السياسية في البحرين تعيش حال ترقب، فمن قائل بضرورة الاشتراك في الانتخابات القادمة وتجنيب البلاد المشاكل لأن البلاد بحاجة الى استقرار وهدوء لكي تزدهر اقتصاديا وعمرانيا وتستمر حالة الهدوء والاستقرار، وقائل بأن القبول بالدخول في الانتخابات البرلمانية المقبلة سوف يعطي شرعية للدستور المعدل.

الحكومة من جهتها منعت في البداية الجمعيات السياسية من حق تقديم قوائم لترشيح مرشحيها في البرلمان المقبل، وقالت ان وظائف تلك الجمعيات تخولها الانشغال بالسياسة وليس الاشتغال بها.

والقوى السياسية المعارضة وقياداتها لاتزال تصر على رأيها ومواقفها في عدم قبول تلك التعديلات الدستورية وعودة البرلمان بصيغته الحالية لأنها تعتبر ذلك مخالفا لاستراتيجيتها، وهي بالتالي ليست معنية بقبول تلك التعديلات، بل انها ستستمر في الاعلان عن تحفظها عليها وستناضل من أجل تحقيق مطالب الشعب ودعوة الحكومة عبر النضال الدستوري المتحضر ـ على حد زعمها ـ إلى التراجع عن قراراتها التي اتخذتها بشأن التعديلات الدستورية وبشأن الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث انها ترى في البرلمان المقبل بصيغته الآنية غير متوافقة مع مصالح الشعب ومستوى حقوقه ومطالبه التي أعلن عنها أيام النضال الدستوري الشعبي وبعد قبوله التصويت على ميثاق العمل الوطني.

ويبدو أن هناك مخاوف حكومية دعت الحكومة والقيادة السياسية في السابق لاتخاذ سلسلة من الاجراءات والمراسيم الملكية بشأن اجراء التعديلات الدستورية والاعلان عن صيغة البرلمان المقبل، وكيفية ممارسة العمل السياسي للوصول إلى قبة البرلمان، متخوفة من الجمعيات السياسية أن تستحوذ على أغلبية المقاعد البرلمانية وبالتالي «جرجرة الوضع» إلى عدم الاستقرار، ولا ندري لماذا تلك المخاوف؟! وهل هي مخاوف حقيقية، وقلق يساوره في مخاطر المرحلة السياسية المقبلة... أم أن هناك ارادة سياسية حكومية ترى أن في تأجيل اعطاء الشعب والمعارضة والقوى الشعبية كامل حقوقها في ممارسة العمل السياسي وتقاسم الشعب والحكومة للقرار السياسي مع النظام سيكون في نهاية المطاف لصالح الحكومة.

ان المشاركة الحقيقة في القرار السياسي بين الحكومة والشعب سوف تقوي دعائم الحكم الذي صوتت له غالبية الشعب في الميثاق، وان اعطاء اكبر مساحة من الحريات السياسية للشعب والجمعيات السياسية وبقية الفئات الاجتماعية من شأنه أن يمنع ظهور أي حركة متطرفة، وسيزيد من التلاحم الشعبي والوحدة الوطنية بين الشعب وعظمة الملك والحكومة التي سترى نتائج ذلك مستقبلا.

كل تلك تساؤلات لا ندري من سيجيب عليها... فهل أن الجمعيات السياسية والوطنية محقة في مطالبتها بافساح المجال أمامها... وهل أن اعتراضها وتحفظها على القرارات والمراسيم الملكية بخصوص التعديلات الدستورية من جانب واحد بحجة أنها لم تخضع لتصويت شعبي لها، وأنها تخالف مبدأ الملكية الدستورية التي تدار عبر القرارات الدستورية التي يصدرها مجلس منتخب وتقرها الحكومة ويصدر بشأنها بعد ذلك مرسوم ملكي للتنفيذ...

هل كل تلك الاعتراضات في محلها، أم أن الحكومة وملك البحرين بقيامهما بتلك الخطوات، فإنهما إنما قاما بذلك لمصلحة الشعب وبهدف التدرج في تكامل المسيرة السياسية للبلاد، والذي يأتي ضمن توجهات الملك الاصلاحية في انتهاجه سياسة التدرج لتحقيق الاصلاحات في المملكة

العدد 13 - الأربعاء 18 سبتمبر 2002م الموافق 11 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً