العدد 1297 - السبت 25 مارس 2006م الموافق 24 صفر 1427هـ

المجانين في نعيم

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

بداية من نهاية سنوات الأربعينات وحتى الخمسينات من القرن الماضي ونحن أطفال صغار نلهو بلعبة الجلينة وألعاب شعبية أخرى بريئة ومسلية، وهل ينسى الإنسان (توب توب يا بحر شهرين والثالث دخل) هذه الأغاني وغيرها ترددها البنات مع أغاني لمرادا. وهل ننسى الرزيف والعرضة في الساحة المطلة على منزل الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة القريب جداً من منزلنا، وكذلك نافخ الجربة والميدان دو في منطقة شرق المحرق والتي نسعى إليها مشياً، ونحن سعداء بلحظات حميمة نستمتع بهذه المأثورات الغنائية الشعبية والتي تستحوذ على أفئدة الناس وعقولهم من شبان وكهول. لا تخطىء أعيننا إبراهيم ببشرته السمراء الفاتحة وقامته الطويلة وجسمه البدين وهو يجوب أزقة المحرق ودواعيسها الضيقة والتي لا يتسع بعضها أحيانا لعبور شخصين اثنين معا أو رجل مترجل مع حماره. إبراهيم هذا رجل في مقتبل العمر مريض نفسياً، وهو طيب ووديع وودود للغاية. عندما نلمح مقدمه تجاهنا نسارع إلى الهرب إلى بيوتنا وبيوت جيراننا خوفاً وفزعاً حيث أبواب البيوت مفتوحة على بعضها بعضاً، وقل مثل ذلك عن أفئدتها ونفوسها. وأذكر أن بيتنا يقع جنوب مسجد الشيخ محمد الحجازي بينما بيت الشيخ عبدالله بن خالد الخليفة يقع شمال المسجد بفريق بن خاطر. ولكي نصل إلى بيت أحمد سلمان المطر والذي يمت إلينا بصلة نسب لا نجد مشقة من ولوج بيت الشيخ عبدالله وهو يؤدي بدوره إلى بيت الشيخ راشد بن عبدالله الخليفة والمؤدي بدوره إلى بيت أحمد مطر نهاية آخر المطاف المنشود. لم يوفر أهل إبراهيم حيلة أو وسيلة لعلاج مريضهم إلا ولجأوا إليها وبعد أن فقدوا الأمل في شفائه على أيدي رجال الدين (المطاوعة) والذين يستعينون بالتعاويذ والأحجبة، لجأوا إلى ما نعت لهم أحد الناصحين بأن يتناول لحم جرو الكلب. وقام أهله فعلاً باختيار جرو سمين وطبخوا له لحم هذا الجرو مع الرز المصلي ومن دون أن يعلم مريضنا بهذه الوصفة السحرية، وداوم على تناولها لعدة أيام. إنه طعام لذيذ وأصبح يفضله على الأطعمة الأخرى وإن نفسه تعاف غيره إلا أن حال إبراهيم راوحت مكانها ولم يفلح العلاج الجديد في تحسن حاله، إلاّ أنه استمر في تناوله بشهية كبيرة. عندما يمسك إبراهيم بعضا منا ونحن صغار يغشانا رعب وخوف، ولكن المسكين بعد أن نقع تحت يديه نفاجأ بأن كل ما يفعله لا يعدو أن يربت على أكتافنا أو يضع يده الحانية على رؤوسنا ثم لا يلبث أن ينصرف! ومع الأيام صرنا نألفه ويألفنا، ونشأت بيننا صداقة ومودة نفتقدها عندما نعدم رؤيته في يوم من الأيام. وعندما عملت في الصين خلال فترة التسعينات وتجولت في أقاليمها المختلفة رأيت ذبائح الكلاب معلقة في أحد الحوانيت، إذ تقدم بعض المطاعم وجبات الكلاب ويقبل عليها بعض الصينيين بشراهة. عندما حكيت للأصدقاء الصينيين أن بعض المواطنين في البحرين قد تناولوا لحم هذه الكلاب ظنوا أنني أهذي أو أسرد أحاديث غير صحيحة، وعندما حكيت لهم أن العمال الكوريين الجنوبيين الذين أنشأوا الحوض الجاف وبعض المساكن الشعبية ومنشآت أخرى حيوية خلال حقبة التسعينات في البحرين سلموا بما ذكرت لأنهم مثل بعض الصينيين يحبون أكل لحم الكلاب. وقرأت أخيرا طرفة جميلة أن الجراحين في مدينة براغ نجحوا في إعادة وصل أنف صبي في الحادية عشرة من عمره بعد أن عضه كلب وابتلع أنفه وقد أجريت للكلب عملية حيث وجدوا الأنف في معدة الكلب سليما بعد ابتلاعه من دون مضغ. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر ففي تونس يقبل بعض المواطنين هناك على أكل لحم الحمير! والمسالخ لديها رخصة رسمية من البلديات التونسية. كما أن أهل السويد والدول الاسكندنافية يستطيبون لحم الخيول. والعرب العاربة والمستعربة تقبل على أكل الضبع الصحراوي. وقد تناولت أفخاذا من الضفادع في مطعم بزحلة في لبنان، واستهجن الأصدقاء ما فعلته واعتبروه خروجاً على المألوف وأمراً مقززاً تقشعر منه الأبدان ولله في خلقه شئون. وحسنا فعلت الوكيل المساعد في وزارة الإعلام الشيخة مي محمد الخليفة حين أقامت مركز الشيخ إبراهيم بن محمد وبيت عبدالله الزايد وبيت المطرب محمد زويد وهي الآن بصدد إقامة بيت المرحوم إبراهيم العريض. وسيذكر لها الجميع هذا الصنيع الجميل في الحفاظ على تراث البحرين الثقافي والحضاري من الضياع والاندثار

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1297 - السبت 25 مارس 2006م الموافق 24 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً