كيف ستبدو الإجابة على سؤال يتحين فرصته ليرتمي وسط اشتباك طائفي مفتعل جاء انعكاسا لتداعيات إقليمية، وجد ممن انتفخت ذاته وسيلة ليتغذى بواسطتها بمقومات التفشي والانتشار والتمكين، ويتهيأ لأن يأخذ حيزه في مجمل المشهد السياسي، بعد أن ظل بعيدا مغيبا بوعي بساطة أهله وإيمانهم الفطري بحق الاختلاف والعيش المشترك، عاجزا عن التأثير في الصورة الاجتماعية، التي أتقن الآباء والأجداد رسمها، وإحاطتها بسياج منيع من الدفاع الذاتي المتمثل في قيمة التسامح التي أورثوها للأبناء. والسؤال بسيط، ولفرط بساطته فإن الإجابة عنه هي الاختيار من بين بديلين، والسؤال من شقين وهو: هل هناك ثمة من يتربص بوحدة الوطن، ويعمل على زعزعة أمنه واستقراره؟ وأقطع أن الاجابة تستكين في كلمتي نعم أو لا. ولكنني أكاد أسمع الاجابة بنعم هادرة من مصادر انبعاثها وبصوت واحد، ولكن لمن يميز فإنها مختلفة الرنة والصدى! ولكن من هم هؤلاء؟ ولأن السؤال من طبيعة طائفية فلا بأس من أن يكون الجواب من النزعة ذاتها، وسيكون بحسب الهوى الانتمائي المذهبي الطائفي، فيما ثمة إجابات أخرى بحجم الجرح الطائفي، حاملة موانع نزفه، مبعثرة في طول الوطن وعرضه، لا يملك الطائفي ناصيتها، قد تكون سواتر حجبها من أن تكون مسموعة هي ذاتها تلك التي حالت دون وصول الليبراليين والعلمانيين إلى قبة البرلمان.
ولكن، بداية دعونا نتفق بأن الطائفية لا يمكن لها أن تجوس في مجتمع ما وتتجذر في سلوكات ناسه، إلا في ظل مناخ من الجهل والفساد. وبالعودة إلى سؤالنا المذكور فان الطائفي السني لن يجد صعوبة ولا حرج في أن يقول إن الشيعة هم الذين يتربصون بالوحدة الوطنية، فيما الطائفي الشيعي سينقل نقلا ميكانيكيا إجابة السني من دون تحميل نفسه مسئولية ذلك، ليقول إن السنة هم المسئولون... هكذا بالمطلق وفي تعميم سافر ينوء بأثقال البغض والكراهية وينم عن نرجسية وتنزيه للذات عن الخطأ. وسنظل في دائرة من الحيرة لا تنتهي.
هذا يقتضي منا، خدمة للمجتمع والبحث عن خلاصه ما يتربص به توصيف الطائفي، إذ إن ليس كل السنة طائفيين، وكذلك الشيعة، فإذا ما تم التعرف على من هو الطائفي سينفضح أمره، ويكف عن مناكفة المجتمع عبر مختلف مظاهر الطائفية سواء عبر حرف مسيرات جماهيرية تعبر عن هموم وطنية حقيقية، وإدخالها في متاهة الشغب والفوضى التي لا تغضب الحكومة فحسب ولكن الشعب في عموم اتجاهاته وتياراته أيضا. أو عبر كتابات لا تدين السلوك الخطأ وتفضحه، وإنما تغوص في التاريخ لتفتش عن مكامن وجع ترتجع أسبابه لظرفية مكانه وزمانه وتعمم استنتاجاتها بعد إعادة صوغها في عبارات صلصالية المبنى خاوية من أي معنى، ولا تعبر إلا عن ذات غارقة في هوى ذاتها، غير عابئة بما سيقود إليه هكذا منحى، جاعلة هدفها الأسمى في هذه اللحظة التاريخية هو تطييف السلطة وإقناعها، من حيث هي سلطة لا غير، بأن تحيد عن كونها مرجعية أمنية تظلل الكل الوطني إلى أداة في يدها، متغافلة أن زمنا كهذا قد ولى بمجرد اختار الشعب مع قيادته السياسية الديمقراطية منهجا لإدارة الحكم.
وفي اعتقادي، أن شعبا لم ينزلق إلى مهاوي الطائفية في ظل حكومة استجمعت سلطات الحكم الثلاث في واحدة، فانه لن يتوه الطريق إلى الوحدة الوطنية في ظل الديمقراطية وتعدد السلطات إلى جانب قيادة سياسية وطنية تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار طائفي، وفوق كل طموح فئوي، مهما جير من حوادث لخدمة أغراضه.
وفي وسط التجاذبات الطائفية تاه المنطق العلمي وأخطأت بدائله في الاجابة عن السؤال الجوهري، وهو من المسئول عن الطائفية؟ لتغرق المجتمع في ضجيج سفسطاتها. وفي تقديري، أنه ليس من السهولة بمكان أن تحيل مشاغبات القلة الأمن الوطني إلى حطام، مع تسليمنا بضرورة إدانة ذلك الشغب والعمل مع الحكومة على نزع فتيله. فهناك المواطنة والمساواة والعدل، وهي ضوابط وسياجات حقوقية وقانوية أمنية تمتلك السلطة السياسية مفاعيل تشغيلها في المجتمع لتخرس بها كل الألسن وصولا إلى مجتمع متحاب، لا مكان فيه للطائفيين الذين يستزرعون الشر في عموم الوطن
العدد 1296 - الجمعة 24 مارس 2006م الموافق 23 صفر 1427هـ