العدد 1296 - الجمعة 24 مارس 2006م الموافق 23 صفر 1427هـ

العراق أمام خيار الدمقرطة أو «الحرب» الأهلية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

بعد ثلاث سنوات على غزو العراق، مازالت صورة مستقبل هذا البلد العربي قاتمة بل مع استفحال أعمال العنف تزداد المخاوف من وقوع حرب أهلية لن ترحم دول الجوار أيضا. وتشير غالبية الدراسات التي أجريت حديثاً في حكمها على سياسة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش حيال العراق بأنها واجهت الفشل ليس نتيجة مقاومة فئات عراقية بل نتيجة أخطاء ارتكبتها الإدارة السياسية في واشنطن وكذلك القوات الأميركية. الرسالة التي وجهها معدو هذه الدراسات مهمة وخطيرة وتعبر عن الواقع: ينبغي منذ اليوم أن تسعى كل الدول المجاورة للعراق مع الولايات المتحدة الأميركية إلى وضع خطة إنقاذ عاجلة لتدارك أسوأ السيناريوهات: أي وقوع حرب أهلية.

نادراً ما اتفق غالبية المحللين السياسيين على رأي وخصوصاً فيما يتعلق بنتائج غزو العراق. وقد اقتنعوا بفشل حرب بوش وعدم تحقيق الهدف لمجرد عدم وجود هدف للحرب التي مازال غالبية الجنود الأميركيين يتصورون أنها وقعت لأن نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان على صلة بتنظيم (القاعدة) الذي حملته الولايات المتحدة مسئولية الهجوم على نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001. في دراسة أعدتها الخبيرة الأميركية مارينا أوتاواي تحمل العنوان المثير للقلق: استراتيجية للعراق... الوقت يوشك على النفاد، تتهم النظام السياسي في الولايات المتحدة بالتسبب في تقسيم العراق وبناء عراق ما بعد صدام على قاعدة ركيكة. وفي دراسة أعدها زميلها الخبير السياسي كينيث بولاك من مؤسسة بروكينجز في شهر فبراير/ شباط الماضي، يتنبأ بوقوع حرب أهلية طاحنة في فترة ما بين نصف عام وعام على أبعد حد، وهي الفترة المتبقية بنظره أمام إدارة بوش لتنقذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تحصل فوضى تتبعها حرب أهلية لن يكون من السهل وضع نهاية لها.

دراسات أخرى وضعتها مؤسسات البحوث السياسية في الولايات المتحدة وعدد من البلدان الأوروبية تصل إلى نتيجة مماثلة. مع مضي العام الثالث على الغزو الذي تم بناء على اتهامات كاذبة فإن مجموعة معتبرة من أبرز المحللين السياسيين الذين تستعين بهم الحكومات لمعرفة ما يجري في المنطقة العربية لاتخاذ القرارات السياسية المناسبة، يرسمون بدورهم صورة قاتمة للمستقبل القريب. وقد عبر هؤلاء في الدراسات التي وضعوها حديثاً عن تشاؤمهم تجاه مستقبل العراق بحيث لم يعد سرا أن العراق يتجه نحو السقوط في شرك حرب أهلية، لكن المثير في هذه المسألة أن الخبراء والمحللين السياسيين حين يكشفون عن أسباب تردي الوضع في العراق فإنهم لا يحملون مسئولية تردي الوضع في العراق لمن تصفهم الولايات المتحدة بالإرهابيين والمتمردين فحسب، بل يحملون نتائج فشل مهمة العراق إلى أخطاء فادحة وقعت فيها الإدارة الأميركية وكذلك القوات الأميركية.

وفقا لتحليلات بعض الخبراء السياسيين، فإن تردي الوضع في العراق وخطر وقوع حرب أهلية باتا يفرضان ضرورة مناقشة أزمة العراق ووضعها من جديد ضمن الأولويات وهذا ليس فقط بالنسبة إلى الولايات المتحدة وشركائها في ائتلاف الحرب الذين تراجع عددهم بصورة كبيرة في المدة لأخيرة، بل كما يقرأ المرء في تحليل أعدته مجموعة الأزمات الدولية ويحمل عنوان: الحرب العراقية القادمة، ينبغي على المجموعة الدولية بما في ذلك الدول المجاورة للعراق، بدء التخطيط لمرحلة التقسيم والفوضى وحرب أهلية، أي مرحلة الانهيار، حفاظا على عدم انتشار أعمال العنف وتجاوزها حدود العراق، ونهاية مرحلة الاستقرار والأمن في المنطقة. وطالبت دراسة مجموعة الأزمات الدولية الإدارة الأميركية البدء فورا بالتفكير فيما يمكن عمله لتفادي وقوع حرب أهلية في العراق. وجاء في الدراسة التحليلية أنه كان محرما حتى اليوم أن تعترف الإدارة السياسية في واشنطن بفشل خطتها حيال العراق لكن عليها أن تتدارك الموقف لعدم استفحال الوضع بشكل يصبح من الصعب عليها السيطرة على الأمور. في مقال كتبه مدير المؤسسة الألمانية للسياسة والأمن في برلين فولكر بيرتيس، فإن العراق بعد ثلاث سنوات على الغزو، فيه ديمقراطة وحريات أكثر من عهد النظام السابق، لكن ليس معنى هذا أن العراق بات بلدا مستقرا. في المرحلة الحالية يناقش العراقيون المشكلات الأساسية ومشروع بناء دولة فيدرالية وتقاسم الثروة النفطية وبحث موضوع الإسلام والدولة الجديدة. الولايات المتحدة في وضع خطير ومعقد كما يراه الأوروبيون أيضا. حسبما كتب الخبير الألماني فإنه طالما تظل الولايات المتحدة قوة احتلال، ستستمر أعمال المقاومة والعنف، لكن جزءاً من المعضلة أيضا أنه إذا سحبت الولايات المتحدة ودول ائتلاف الحرب جنودها من العراق ستزيد احتمالات وقوع حرب أهلية. كما أنه كلما تواصلت مرحلة عدم الاستقرار والأمن في مناطق وسط العراق، زادت قناعة الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال، بالاستقلال عن بغداد وإقامة دولة شيعية في الجنوب وأخرى كردية في الشمال وسيكون لهذا ردود فعل وربما تتدخل دول خارجية ويصبح من الصعب السيطرة على الوضع.

الدراسات التي وضعها خبراء أميركيون أجمعت على ضرورة تغيير سياسة واشنطن حيال العراق بأسرع وقت ممكن لتفادي وقوع كارثة. وجاء في تحليل الخبير الأميركي بولاك: وقد وضع الخبير مع معاونيه سبع نقاط لبلوغ مرحلة الخلاص أن من أبرز النقاط دعوته الولايات المتحدة إلى العمل بخطة دفاع بوجه المتمردين، ومعنى ذلك كما يوضحه التحليل، وضع حماية المدنيين ضمن الأولويات وتجنيبهم أذى الجماعات التي تنشر الذعر والخوف في نفوس المواطنين، عوضا عن مطاردة المتمردين واستنفاد طاقات عسكرية كبيرة من خلال شن عمليات عسكرية في مناطق متفرقة. والعمل في دعم قوى الأمن العراقية وتحقيق الاستقرار والأمن في منطقة تلو الأخرى. ويقترح بولاك الذي ظهر مقاله في المجلة الأميركية المعتبرة«Atiantic Monthy» حديثاً انتشار نصف مليون جندي لإتمام مهمة العراق على هذا النحو.

ليس مثل هؤلاء المحللين السياسيين وحدهم يقترحون زيادة عدد الجنود الأميركيين في العراق لتدارك الأسوأ، خبير الشئون العراقية جيمس اف دوبينز يصل إلى استنتاج مشابه في كتابه الذي يحمل عنوان: دور أميركا في بناء الدولة من ألمانيا إلى العراق. يناشد دوبنز نشر نحو 460 ألف جندي من الولايات المتحدة ودول ائتلاف الحرب على أرض العراق لتحقيق الخطة نفسها التي تمت في التسعينات حين وضع الغرب نهاية لحرب البوسنة. يذكر أن هناك حوالي 140 ألف جندي أميركي في العراق حاليا ومن المنتظر أن ينخفض عددهم تدريجيا خلال العام الجاري.

ترى حصيلة الدراسات والتحليلات أيضا أن الفشل لا يعود فقط إلى سوء تقدير الخبراء والاستراتيجيين العسكريين فحسب، بل نتيجة أخطاء سياسية كذلك. فالعملية السياسية التي أوجدها الأميركيون في العراق كانت فاشلة منذ البداية. فقد تم فرض دستور بحسب رغبات الولايات المتحدة على العراقيين فيه نقاط تقود إلى التقسيم وحرب أهلية. وفقا لدراسة الخبيرة الأميركية أوتاواي فإن عوائد النفط سيتقاسمها الشيعة والأكراد أصحاب النفوذ تاركين السنة في وضع بائس للغاية. ويحكم أوتاواي بأن العراق سيكون بلد فاشلاً. كما تطالب مجموعة الأزمات الدولية في دراستها بإعادة التفكير في مضمون الدستور العراقي وخصوصاً فيما يتعلق بالبنية الفيدرالية ثم ينبغي على الولايات المتحدة في سياسة تقرب بين الشيعة والسنة بعد أن تبين أن سياسة إقصاء البعثيين عن السلطة الجديدة كانت بمثابة بناء جدار ليمنع السنة من المشاركة في بناء العراق الجديد. في النهاية تأتي نتيجة التحليلات مخيبة لآمال إدارة بوش. كل ما حصل في العراق بعد ثلاث سنوات وضع هذا البلد على عتبة حرب أهلية. من بين الأخطاء التي أتت الخبيرة أوتاواي على ذكرها في مقابلة نشرت في ألمانيا أنه تم تشكيل قوى الأمن والجيش وفقا لاعتبارات دينية وعرقية وذهبت أواتاواي في تقديرها إلى أن الأميركيين يعملون في تحضير قوى الأمن العراقية للتصدي لحرب أهلية تزيد احتمالاتها يوما بعد يوم. وكشفت الخبيرة أن الانقسامات بين الفئات العراقية تزداد عمقا ووضوحا كل يوم، في الجيش على سبيل المثال فإن ولاء الجنود الأكراد لقادتهم الأكراد أكبر من ولائهم للدولة. وهؤلاء يتدربون ليقوموا لاحقا بتدريب الميليشيات الكردية. هذا التطور يثير قلق المهتمين بشئون العراق في الغرب ويطالبون الجيش الأميركي بحل الميليشيات الكردية كخطوة لقطع الطريق أمام وقوع حرب أهلية. كما يشعر هؤلاء بالقلق من مغبة خسارة الزعيم الشيعي آية الله علي السيستاني النفوذ بينما زعماء الشيعة الآخرون وخصوصاً مقتدى الصدر يفرضون أنفسهم على الشارع الشيعي.

بعد ثلاث سنوات يجري الحديث عن صندوق الطماطم الذي فتح الأميركيون، هذا التعبير الذي وصف فيه السفير الأميركي في العراق زلماي خليل زاد الوضع. كان رأيه مفاجئا لكنه على حق آخذا بعين الاعتبار تدهور الوضع الأمني، لكن الهدف وراء تصريح السفير الأميركي هو دعم المسئولين العسكريين الأميركيين الذين يريدون إقناع الإدارة الأمريكية بعدم خفض عدد الجنود الأميركيين في العراق. الرئيس بوش وعضوا حكومته كوندليزا رايس ودونالد رامسفيلد لم يوفروا وقتا في اتهام إيران بالوقوف وراء حوادث العنف الأخيرة في العراق ولم يشيروا ببنت شفة إلى أخطاء الولايات المتحدة على العكس من السفير الأميركي في العراق الذي قال: ينبغي أن نحرص على عدم تحول العراق إلى بلد مثل أفغانستان في عهد الطالبان. خليل زلماي زاد يعرف تماما ما يقوله. فهو من أصل أفغاني

العدد 1296 - الجمعة 24 مارس 2006م الموافق 23 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً