انكسار الثورة الفرنسية وتقهقرها من الحرية إلى الإرهاب (عهد اليعاقبة بقيادة روبسبير) إلى الردة على كل القوانين المثالية وصولاً إلى القبول بالاستبداد شكل صدمة كبرى لكل النخب الأوروبية المتعاطفة مع المبادئ الإنسانية للثورة. فهذه الرحلة من الملهاة الايديولوجية إلى المأساة الإنسانية شكلت محطة تاريخية اسهمت لاحقاً في تكوين اتجاهات متباينة في القرن التاسع عشر تراوحت بين العنصرية (القومية) والفوضوية والتيارات الاشتراكية.
رحلة الثورة الفرنسية من الحرية إلى الاستبداد لم تتشكل قوانينها مصادفة. فهذه الانتكاسة اسهمت مجموعة عوامل في انتاجها وكلها تتصل باختلاف الواقع الفرنسي (شروط العمران البشري) عن ظروف انجلترا (النموذج الجديد آنذاك) أو تلك المناخات التي ساعدت قادة الدولة في أميركا على إنتاج ثورة استقلالية انتهت إلى تصور دستوري للولايات المتحدة.
ظروف الاجتماع الفرنسي اختلفت تاريخياً ومعرفياً عن تلك التي أنتجت النموذج الانجليزي (البريطاني) كذلك اختلفت أفكار فلاسفة التنوير عن تلك المنهجيات الفلسفية التي انتجها فلاسفة الفكر السياسي البريطاني.
هذا الاختلاف العمراني/ المعرفي انعكس على تكوين الدولة وصلتها بالمجتمع وكذلك صلة الملك (رأس الدولة) بالهيئات التي تتكون منها المؤسسات. الدولة الفرنسية في هذا المعنى تختلف عن تلك التي نهضت في اعقاب ثورة كروموبل في بريطانيا. فالأخيرة نجحت في تشكيل تسوية دستورية بين الملك والبرلمان أعطت مجالات واسعة للحرية والتعددية والتنوع. بينما الدولة الفرنسية كانت فردية وشديدة الانغلاق وترفض تأسيس تسوية تعطي حرية للبرلمان. وادى انغلاق الدولة وتمركز صلاحياتها في الرأس (الملك) إلى صدور قرارات تعسفية ضد الاقليات غير الفرنسية أو غير الكاثوليكية أو غير المسيحية كما حصل في القرن السابع عشر في عهد لويس الرابع عشر.
إلغاء مرسوم نانت
آنذاك اقدم الملك في العام 1685 (1096هـ) على توقيع قرار بإلغاء مرسوم نانت الذي يعطي البروتستانت حقوق التمتع بحرية العبادة. فالملك آنذاك اقتنع بفكرة أن وحدة الدولة يجب أن تقوم على قاعدة التجانس الديني/ المذهبي. وبسبب رفض التعدد والتنوع ارتكب الكاثوليك مجازر ضد البروتستانت بهدف اجتثاث كل المخالفين لهوية الدولة. وخلال فترة ثلاثة أيام نفذت مذابح رهيبة ضد كل الاقليات في باريس ومختلف المناطق الفرنسية.
طموح رأس الدولة انتج سلسلة قوانين قاسية اتصفت بالانغلاق وأسس لنوع من الملكية الاستبدادية التي اختلفت جذرياً عن تلك الملكية الدستورية في انجلترا. ولهذا السبب تحول النموذج الانجليزي إلى هدف تطمح له كل تيارات حركة التنوير أو فلاسفة الأنوار في فرنسا القرن الثامن عشر. فبريطانيا آنذاك كانت متقدمة على فرنسا قرابة مئة سنة في تركيب تفكير عقلاني (تسووي) يقوم على مبدأ التسامح. وهذا ما زاد اعجاب الفلاسفة بها وامتداح تجربتها مثالاً يحتذى.
كيف بدأت فكرة التنوير؟ يرجح أن يكون ديكارت هو أول من استخدم مفردة التنوير في كتابه «مبادئ الفلسفة». ثم جاء بعده الفيلسوف الالماني لابينتز فاستعار المفردة وأعاد استخدامها في سياق مختلف. وفي مطلع عصر الأنوار جدد آن فونتنيل (ولد في 1657 / 1067هـ - وتوفي في 1757/ 1170هـ) استخدام المفردة واقدم على تحويلها إلى فكرة أسست لاحقاً تلك الحركة التي عرفت بالتنوير.
فكرة التنوير بدأت في انجلترا وتحولت إلى حاجة فرنسية تلبي طموحات النخب الفكرية في إعادة النظر في تكوين الدولة وطبيعة الاجتماع. بينما لم تكن الفكرة تضغط بقوة على النخب البريطانية نظراً إلى كون الدولة قطعت اشواطاً بعيدة في تركيب نوع من التوازن بين الملك والبرلمان.
إلا أن مسار التنوير الفرنسي اختلف عن ذاك المسار التطوري الانجليزي. فالمسار الفرنسي كان أقرب إلى الرومانسية والمثالية والانقلابية، الأمر الذي انتج سلسلة مدارس اتسمت عقلانيتها بروح التمرد. فهذا المسار الضيق في افقه يفسر انتقال الثورة من المساواة (المطلقة) إلى الإرهاب العنيف وصولاً إلى الطغيان والاستبداد والعودة إلى فكرة الملك (الامبراطور). ونابليون بونابرت لم يكن خارج سياق التطور التاريخي لفكرة الأنوار بحسب طبعتها الفرنسية. فهذه الفكرة كانت مثالية ومتضاربة وغير موحدة وتفتقد إلى روح الواقعية على رغم إعجاب فلاسفتها بالتجربة الانجليزية. فالاجتماع البشري في النهاية اقوى من الفكرة، والواقع يفرض في الأخير شروطه على النخبة وكيفية إدارتها للدولة.
فلاسفة الأنوار
نظرة سريعة على أفكار فلاسفة الأنوار في القرن الثامن عشر تعطي لمحة عن ذاك المسار العنيف وصولاً إلى خضوعه لأنظمة الإرهاب والاستبداد. فالعودة إلى تلك الأفكار تكشف عن وجود تعارضات جذرية بين الفلاسفة في فهم عناصر الفكرة من جهة صلة العقل بالإيمان والدولة بالمجتمع. فالأفكار كانت متفقة على العموميات ومختلفة إلى درجة التناقض العنيف على التفصيلات. والمفاهيم كانت مغرقة في المثاليات (الرومانسية) وتفتقد إلى آليات للتطبيق. وكل هذه التفاوتات اورثت الثورة الفرنسية سلسلة قراءات متناقضة للتغيير، الأمر الذي اسهم لاحقاً في تفجير خلافات ايديولوجية دموية انتهت إلى انزلاق قادتها إلى الطغيان والاستبداد.
لا يعرف كيف بدأت المغالطات إلا أن هناك ما يشبه التوافق على حصول خلل في تكوين فلسفة الأنوار. وهذا الخلل أسهم في توليد أفكار مضطربة تفتقد إلى منهجية صارمة في التحليل والتركيب وبالتالي جاءت نتائج الأنوار متطابقة مع مقدماتها. فالمقدمة كانت فوضوية والنتيجة المنطقية جاءت فوضوية.
فوضوية فلسفة الأنوار بدأت في تلك الموسوعة التي أعلن عن تأسيسها الفيلسوف الفرنسي دينيس ديدرو في العام 1755 (1168هـ) بالتعاون مع زميله المفكر دالمبير الذي ولد في العام 1717 (1129هـ) وتوفي في العام 1783 (1197هـ).
هذه الموسوعة العظيمة في ايامها أسست تلك الفوضى العامة في الأفكار، والتعارض في المواقف، والاختلاف على آليات أو منهجيات صارمة في قراءة الواقع وحركة التاريخ، وعدم وضوح الرؤية في تنظم عمليات الانتقال من مرحلة ادنى إلى أعلى.
الموسوعة كانت اشبه بتجميع كل الكتابات التي صدرت بشأن مختلف المعارف والعلوم. وبسبب ضغط الوقت والسرعة المطلوبة لانجاز هذا الهدف الكبير اتصل مؤسسها الفيلسوف ديدور الذي ولد في العام 1713 (1125هـ) وتوفي في العام 1784 (1198هـ) بكل معاصريه وأصحابه من مفكرين وادباء وشعراء وفلاسفة وعلماء للكتابة في الموسوعة كل بحسب اختصاصه ورغباته. فالكل تقريباً كتب في تلك الموسوعة من الشاعر الفيلسوف فولتير الذي ولد في العام 1694 (1105هـ) وتوفي في العام 1778 (1192هـ)، إلى مونتسكيو، إلى روسو، إضافة إلى المؤسس ديدرو، وبول هنري دولباخ، وكلود ارديان هلفسيوس وغيرهم. فالكل كتب تقريباً واعطى وجهة نظره في الإنسان، والدين، والقوانين، والطبيعة، والقوانين الطبيعية، والحق الطبيعي، والعقد الاجتماعي، وسيادة الشعب، والدساتير، وأنواع الدول واشكالها، والتنظيمات والصلاحيات والفصل بين السلطات، والنظام الجمهوري، والحرية، والمساواة، والثروة، وتوزيع الثروة، والملكية الخاصة (الفردية) والتفاوت الاجتماعي بين البشر، واسباب اختلاف البشر... إلى آخر المفردات التي كانت تشكل بدايات الوعي المفارق في أوروبا.
الموسوعيون
شكلت الموسوعة خطوة نوعية على مستوى تجميع (ارشفة) آخر ما توصلت إليه المعارف الأوروبية في القرن الثامن عشر إلا أنها افتقدت إلى التماسك نظراً إلى تنوع الاجتهادات واختلاف رؤى فلاسفة الأنوار في تحديد آليات عملية تنتقل بالمثاليات (الرومانسية) من المجرد (النظرية) إلى الواقع. كانت هناك اختلافات في قراءة التاريخ وتطور المجتمعات وأنظمة الدول. وكانت وجهات النظر غير متوافقة على مسألة الدين وعلاقة الدولة بالكنيسة. كذلك حصلت تعارضات بين الفلاسفة على فكرة المساواة (هل هي مطلقة أم نسبية؟) وعلى فكرة الحرية (هل هي فوضى أم أنها حق طبيعي للإنسان؟) وعلى فكرة الاخاء (هل البشر متساوون في الطبيعة أم في الاجتماع؟). وكل هذه التعارضات في المقدمات النظرية اسست سلسلة نتائج متناقضة في النهايات.
مثلاً فولتير الذي جاء من اسرة غنية وكان شاعراً متمرداً وتحول بعد سجنه 11 شهراً ونفيه إلى انجلترا إلى فيلسوف يتعاطى السياسة رفض فكرة «التعاقد»، معتبراً الدولة ولدت من «الاكراه». فاختلف بهذا الشأن مع مونتسكيو ورد عليه، كذلك اختلف مع روسو ورد عليه أيضاً.
فولتير أيضاً كان معجباً بالنموذج الانجليزي ودستوره، كذلك هو أمر مونتسكيو وروسو، ولكنه اختلف معهما على فكرة «الملك الصالح» أو «العادل المستنير» أو «المستبد المستنير». فكل فيلسوف وضع تعريفاً خاصاً به لكل تلك المفردات. فولتير مثلاً رأى ان النظام العادل يقوم على فكرتي الحرية والملكية الخاصة (حق الإنسان في التملك) ودعا إلى إصلاحات على النسق الانجليزي. مونتسكيو وهو ايضاً سليل أسرة ميسورة تأثر بالمفكرين الانجليز ودعا إلى نوع من الملكية المستنيرة تعتمد التسامح الديني وتقوم على تطوير روح الشرائع في إطار تطوري هادئ ومرحلي.
هذه الأفكار لم تنسجم كثيراً مع دعوات روسو إلى التمرد والعودة إلى الطبيعة الإنسانية الأولى والتحرر من كل القيود. كذلك لم تعجب أفكار مونتسكيو مؤسس الموسوعة ديدور فأقدم على نقد مخططه رافضاً الحكم التعسفي ونظرية «المستبد المستنير» إلا أنه رفض أيضاً فكرة المساواة المطلقة في اعتبارها وهمية ويصعب تطبيقها واقعياً، واكتفى بالمطالبة بإعادة توزيع الثروة بحسب العمل والجهود والمحافظة على الملكية الفردية (الخاصة) لأن إلغاء الحق الطبيعي للانسان في التملك سيؤدي إلى انهيار تطور الصناعة والتجارة.
دولباخ
بول هنري دولباخ وهو ألماني المولد وعاش منذ طفولته في فرنسا ابدى أيضاً اعجابه بالنموذج الانجليزي ولكن رؤيته للنظام السياسي لم تكن واضحة فهو يطالب بنوع من البرلمانية المتصالحة مع الملكية الدستورية، وأيضاً تحفظ على فكرة المساواة في الأنظمة الجمهورية لأنها تؤدي في النهاية إلى تدمير الدولة وإنتاج الاستبداد. وتوقع دولباخ النظري اثبتته تجربة الثورة الفرنسية لاحقاً.
دولباخ أيضاً لم يتفق مع روسو في الكثير من استنتاجاته. فهو رد عليه وسخر منه وانتقد تلك الرومانسيات المثالية التي افتعلها بشأن حرية الإنسان.
دولباخ ركز كثيراً على المناخ وتأثيره على الإنسان وعلى دور الأرض (الطبيعة) في تكوين قوانين الاجتماع الطبيعية. وبرأيه أن حقوق الإنسان طبيعية (ليست اجتماعية فقط) والمجتمع من صنع الطبيعة، والإنسان بحاجة إلى حاكم (دولة) يدير التوازن وفق منظومة قوانين الطبيعة للاجتماع البشري. ولهذا هاجم دولباخ رجال الكنيسة (الكاثوليكية) معتبراً ان الالكيروس «اصل الاستبداد» ولكنه تحفظ على المساواة المطلقة وهاجم الرعاع (الطبقة الثالثة) وأيد حق الملكية الفردية ورأى انها لا تتعارض مع فكرة العدل أو نظرية العقد الاجتماعي.
كلود ادريان هلفسيوس كان أيضاً من ابرز كتّاب الموسوعة وكان على صداقة مع مونتسكيو وأيضاً ديدور ولكن اطروحاته الفكرية كانت أقرب إلى مفاهيم دولباخ. فهو تحدث عن الإنسان الطبيعي وقوانين الحق المتصلة بمبدأ «الحق الطبيعي».
إلى جانب كتاباته في الموسوعة اصدر هلفسيوس كتاباً في العام 1758 عن «العقل» ثم اصدر في العام 1773 كتاباً آخر عن «الإنسان» وفيهما يوضح الكثير من الآراء التي اكدت حق الإنسان في التملك وأن العدل يولد من الخوف وأن البشر صالحون حين تتوحد مصالحهم (المصلحة) معتبراً أن قوانين الطبيعة مقدسة. ولهذا اختلف مع مونتسكيو بشأن طبقة النبلاء ودورها رافضاً فكرة «الحاكم المتنور» ولكنه عاد وأيد مفهوم «المستبد العادل» بشرط أن تكون الملكية دستورية تقوم على أساس القانون.
هلفسيوس كان معجباً مثل أصحابه بالتجربة الانجليزية ورأى أن أسباب نجاحها تعود إلى اربعة قوانين: مجلس العموم يملك صلاحية تحديد نوع الضرائب، المواطن بريء حتى تثبت التهمة، هيئة المحلفين (لا القاضي) تملك حق اصدار الاحكام، وأخيراً حرية الصحافة.
تعارض الأفكار
الكل إذاً اختلف مع الكل. وفلاسفة الأنوار اطلقوا شرارة التفكير ولكن شعاعها انتشر على الجهات الأربع. فأفكار تيار التنوير تعارضت واختلطت وتوزعت على وجهات نظر كان من الصعب توحيدها على برنامج عمل مشترك حين اندلعت الثورة الفرنسية.
حتى فكرة الثورة (العنف) كانت آراء فلاسفة الأنوار غير موحدة بشأنها. فالكل كان يبدي اعجابه بالتجربة الانجليزية كمثال يحتذى ولكن الفلاسفة فشلوا في التوافق على منهجية تحديد آليات التطبيق ونقل التجربة. والكل مال إلى اعتماد التطور الهادئ والسلمي باستثناء روسو الذي انجرف بنزق إلى نوع من التمرد الفوضوي (الفردي). والوحيد بين هذه المجموعة تميز بفكرة تبني العنف وسيلة للتغيير كان هلفسيوس. فهذا الفيلسوف اعتبر أن قوة الأمة هي مصدر قوة الأمير رابطاً بين العقل والمصالح، ورأى أن المصلحة العامة توحد البشر وانتفاء تلك المصلحة المشتركة (الصالح العام) يسهم في تمزيق وحدة الناس ويبعثرها ويحول البشر إلى قوى تتضارب وتتقاتل. وبهذا المعنى اتجه هلفسيوس إلى بلورة فكرة الغلبة للأقوى منطلقاً من نظرية أن صراع المصالح يشكل القوة المحركة للتطور التاريخي.
هذه الفكرة اعتبرها الماركسيون لاحقاً بداية تشكل الوعي المادي للتاريخ لأنها نقلت القوانين من الطبيعة إلى الاجتماع معتبرة أن العنف يشكل واحداً من اشكال الصراع على المصالح بهدف التغيير. وأن نظرية الحق الطبيعي لا مكان لها في عالم الإنسان. فالحق للقوة والقوي يفرض شروطه ويرسم حدود المصالح. والغريب في فلسفة هذا المفكر المادي (التنويري) أنه ليس ملحداً. فهو ميز بين الإيمان والكنيسة وبين الدين ورجال الدين معتبراً أن الله هو «العادل» و«الرحيم».
هذا «الكشكول» الفكري (الموسوعة) اطلق عليه مصطلح التنوير في تلك الأيام حين كانت فرنسا تعاني الظلم الاجتماعي واستبداد السلطة. فهؤلاء الفلاسفة وجدوا في النموذج الانجليزي ضالتهم ولكنهم تشتتوا إلى فرق حين حاولوا نقل المثال إلى الواقع والنظريات العامة إلى حيز التجربة.
انزلاق الثورة
فلاسفة الأنوار كتبوا في الموسوعة ونشروا أيضاً مؤلفات مستقلة تحدث فيها كل مفكر على هواه. وحين وصلت تلك الأفكار المبعثرة في أنوارها إلى قادة الثورة الفرنسية تمزقت أهدافهم وتضاربت آليات التطبيق. فكل قائد قرأ الموسوعة واخذ منها ما يريد وتأثر بوجهة نظر واستبعد الأخرى. وبسبب تناحر قادة الثورة نجح الجناح الأكثر تطرفاً (اليعاقبة بقيادة روبسبير) في اقصاء كل التيارات وتصفيتهم كتلة بعد أخرى. روبسبير آنذاك سخر من أفكار فلاسفة الأنوار معتبراً أن الشعب تجاوز في قوانينه كتابات الموسوعة ورأى أن افكار «الموسوعيين» متخلفة.
هذه الفوضى التنويرية التي حاول روبسبير القضاء عليها مستخدماً المقصلة وأساليب العنف الدموي انتهت إلى القضاء عليه واعدامه. وما ان استقر الوضع الثوري حتى اخذ البرلمان يتراجع عن تلك القوانين المثالية (المساواة المطلقة) ويعيد تنظيم دستور الدولة وفق تصورات هي اقرب إلى التيار المعتدل في حركة الانوار. وانتج التراجع ردة على مستوى السلطة السياسية ودفع فرقاء الصراع إلى الاسراع في اللجوء إلى المؤسسة العسكرية (الجيش) لوقف التدهور واحتواء الفوضى.
استنجاد قادة من بقي من الثورة الفرنسية بالجنرال نابليون بونابرت أكد وجهة نظر دولباخ الذي ابدى تخوفه من المبالغة في المساواة المطلقة في الأنظمة الجمهورية لأنها تؤدي إلى الانهيار وتأسيس الفوضى والطغيان وإعادة الدكتاتورية والاستبداد. وهذا ما حصل في فرنسا حيث انزلقت الثورة وانعطفت من الحرية وفق النموذج الانجليزي إلى تقليد الثورة على الطريقة الأميركية وانتهت إلى عصر جمهوري امبراطوري اشبه بنسخة معدلة عن دولة لويس الرابع عشر
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1295 - الخميس 23 مارس 2006م الموافق 22 صفر 1427هـ