يعيش عالمنا العربي اليوم في ظل متغيرات عدة ولعل في مقدمتها اتجاه العالم بأسره للتعايش مع مفهوم العولمة في السياسة والاقتصاد والثقافة، ولكن الأهم والأخطر مع تأثير ذلك على الأمن.
لقد خصص معهد دراسات الدفاع والتحليلات بالهند مؤتمره السنوي الثامن الذي عقد في نيودلهي من 29 يناير/ كانون الثاني إلى 1 فبراير/ شباط 2006 لقضية الأمن في غرب آسيا وشمال إفريقيا وهو الاسم الذي يطلقه الآسيويون على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أو ما نسميه نحن العرب بالمنطقة العربية أو العالم العربي. ولاشك أن هناك اختلافاً جوهرياً بين التسميتين وهو الشمول والخصوصية فالتسمية العربية لا تأخذ في الحسبان سوى البعد الثقافي القائم على مفهوم اللغة العربية والثقافة والتاريخ المشترك ومن ثم تستبعد الدول الأخرى في الإقليم وتحديداً إيران وتركيا و«إسرائيل» باعتبارها دولاً غير عربية أما التسمية الأخرى فتقوم على شمولية البعد الجغرافي متناسية الاختلاف الحضاري والثقافي.
ولقد وجهت الدعوة للباحثين والمفكرين من مختلف دول الإقليم، ولكن المشاركة العربية لم تكن شاملة فلم يحضر أي باحث من مصر أو سورية أو العراق أو تونس أو المغرب أو اليمن - حقيقة أن الدعوة كانت شخصية للباحثين فإذا اعتذر واحد أصبحت بلاده غائبة وهذا أمر ينبغي على الباحثين والمفكرين والأكاديميين أن يأخذوه في الحسبان، فعلى رغم أن الدعوات شخصية فإن ثمة مسئولية أدبية غير مباشرة على الباحث ومن ثم إذا رغب في الاعتذار لظروف خاصة به يمكنه أن يشرح بديلاً عنه.
لقد دارت محاور المؤتمر حول بيئة الأمن الدولي في غرب آسيا، التصورات المختلفة للأمن الإقليمي، أمن الطاقة، أسلحة الدمار الشامل في غرب آسيا، المناهج الإقليمية وخارج الإقليم تجاه الإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية، التحديات غير التقليدية للأمن، الهند وغرب آسيا.
وافتتح المؤتمر وزير الدفاع الهندي برناب مكرجي الذي أبرز علاقة بلاده التاريخية بالمنطقة العربية وإيران وتركيا و«إسرائيل» والتأثير المتبادل للطرفين كما أشار إلى دعائم العلاقات الحديثة المتمثلة في النفط والعمالة والتجارة والاستثمارات وعلى الجانب الأمني أشار إلى الإرهاب والتطرف وكرر تأييد بلاده لقضية الشعب الفلسطيني ورحب بالتطورات الإيجابية في الانتخابات العراقية والفلسطينية وبزيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك السعودية للهند.
المحور الأول كان بيئة الأمن في غرب آسيا ودار حول حال عدم الثقة بين الأطراف داخل الإقليم، وبين بعض أطراف الإقليم والدول خارج الإقليم وحظي موضوع البرنامج النووي الإيراني بالاهتمام منذ اللحظة الأولى للمؤتمر وكان الباحث الإيراني مدير عام معهد الدراسات السياسية والدولية مصطفى زهراني في طهران من أوائل المتحدثين في هذا المحور.
المحور الثاني الرؤى والتصورات المختلفة للأمن الإقليمي في المنطقة سواء في علاقة شمال إفريقيا بأوروبا وعملية برشلونة وغيرها من المبادرات الأوروبية المتوسطية أو تصورات مجلس التعاون الخليج أو التصورات الإيرانية أو مواقف الهند بشأن أمن الخليج وخصوصاً فيما يتعلق بأمن وسلامة الملاحة البحرية وبرز من بين تلك التصورات مفهوم الأمن الإنساني المرتبط بالتنمية البشرية من ناحية وبالإرهاب من ناحية أخرى.
أما المحور الثالث فقد خصص لأمن الطاقة وارتباط ذلك بالاقتصاد الدولي وكان من بين طروحات ذلك المحور هل يمكن الاستغناء عن نفط الخليج كما تبرز بعض الدعاوى الدولية؟ وهل يمكن تحقيق الاعتماد أو الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة لأية دولة؟ وبرز شبه إجماع بأن وضع النفط والغاز في الخليج لا يمكن الاستغناء عنه وأن مسائل الاكتفاء الذاتي غير ممكنة في عالم يقوم على التشابك والتداخل وأن الاتجاه العالمي هو نحو مزيد من التعاون.
أما المحور الرابع فقد دار حول أسلحة الدمار الشامل وكانت أبرز مقولاته تدور حول البرنامج النووي الإيراني والبرنامج النووي الإسرائيلي وفي حين كان منظم التصور المطروح من باحثين آسيويين وأوروبيين هو خطورة البرنامج النووي الإيراني فإن الباحثين العرب أبرزوا خطورة البرنامج النووي الإسرائيلي أيضاً وهو ما رفضه الباحثون من «إسرائيل» الذين دافعوا عن برنامجهم ووجدوا تعاطفاً في حين أن الإيرانيين عندما دافعوا عن برنامجهم لم يجدوا تأييداً يذكر من أي من الباحثين.
وكان المحور الخامس مخصصاً للرؤى والمقاربات المختلفة من داخل الإقليم وخارجه حول الإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية وساد اتفاق على أن منطقة غرب آسيا وبالذات المنطقة العربية هي أكثر مناطق العالم تخلفاً في الديمقراطية وان برزت فيها بعض الإرهاصات والتحركات فهي في إطار حرص النظم الاستبدادية والسلطوية العربية للبقاء ومن ثم فهي أقرب للمناورة منها للنوايا الحقيقية للإصلاح. وحظي الموقف الأميركي باهتمام خاص باعتباره موقفاً متناقضا في طروحاته وشعاراته يرفع مفاهيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وفي ممارساته العملية في غزو العراق وفي مساندة «إسرائيل» وأعمالها القمعية ضد الفلسطينيين وأيضاً في مساندته للنظم الاستبدادية في المنطقة العربية. ومع هذا برزت في هذا المحور أيضاً آراء بأن الإصلاح عملية مستمرة ولابد من مراعاة خصائص الدول المختلفة وتراثها. ولفت النظر أن بعض الباحثين الأتراك قدموا ما اطلقوا عليه النموذج التركي في الديمقراطية والأمن وأنهم يمكن أن يضطلعوا بدور في مساندة الحوار الديمقراطي بين أوروبا والشرق الأوسط.
وتكرس المحور السادس للتحديات غير التقليدية للأمن وفي مقدمة تلك التحديات الأصولية الإسلامية والإرهاب والاستبداد ومفاهيم الجهاد والقرصنة الملاحية.
وكان المحور الأخير عن الهند وغرب آسيا في محاولة للبحث عن سياسة الهند ومصالحها في المنطقة وتركز على العمالة الوافدة وخصوصاً الهندية التي تصل إلى 4 ملايين هندي في دول مجلس التعاون الخليجي وتحويلات العمالة من الأموال لبلادها ودورها في عملية التنمية في تلك المنطقة وما تواجهه هذه العمالة من مشكلات كثيرة كما تطرق هذا المحور إلى العلاقات التاريخية والحديثة بين الهند وغرب آسيا وإلى الركائز الراهنة وأبرز أن الهند يمكن أن تطور سياساتها لكي تضطلع بدور أكبر في تحقيق الأمن والاستقرار في الإقليم من دون افتئات أو بالتنسيق مع الموقف والسياسات الأميركية المهيمنة في المنطقة.
ولعل مثل هذا المؤتمر المهم يطرح أمامنا عدة أسئلة في مقدمتها ما هو دور الإقليم وخصوصاً الدول العربية في تحقيق أمنها. وقد لوحظ شبه غياب لهذا الدور وهو الأمر الذي يعد انعكاساً للواقع المرير الذي يمزق الدول العربية ويشتتها ومن ثم وقوعها فريسة للقوى الإقليمية غير العربية أو القوى الدولية. والسؤال الثاني عن ارتباط الأمن اليوم لدى كثير من السياسيين والباحثين الأكاديميين بالظواهر الحديثة وفي مقدمتها الإرهاب الديني والتطرف والأصولية والديمقراطية وهذا هو المفهوم الذي خلصت إليه الولايات المتحدة في دراستها عن استراتيجية الأمن الأميركي بعد 11 سبتمبر/ أيلول وأصبح مثل هذا المفهوم هو السائد الذي تقتبس منه وتتأثر به أدبيات الأمن في الكثير من الدول على اختلاف مشاربها من روسيا والصين إلى الدول العربية وإيران وتركيا و«إسرائيل» وأوروبا. ومرة أخرى يلاحظ غياب مفهوم عربي للأمن وهذا مرتبط بالسؤال الأول أن غياب الفكر العربي والسياسة العربية الموحدة أدى إلى غياب المفاهيم المشتركة ومن ثم سيطرت على مفاهيم العرب الأفكار الجاهزة المستوردة من الخارج.
أما السؤال الثالث فيرتبط بوضع المنطقة العربية الذي أصبح على هامش السياسية والفكر الدوليين وأصبحت موضوعاً يبحث أكثر منها فاعلاً في السياسة الدولية على رغم أن لديها الموارد الطبيعية الضخمة والقدرات البشرية والموقع الاستراتيجي ولكن انعدام الإرادة السياسية الموحدة هو العمدة في غياب العرب وتهميشهم ففي الوقت الذي يتجه العالم إلى التوحد والتكتل في أوروبا وآسيا وأميركا بل وحتى إفريقيا فإن العرب يتجهون لإثارة الثغرات الطائفية والاثنية بما يؤدي إلى مزيد من التقسيم والضعف والتخلف.
باحث في الشئون الاستراتيجية
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 1295 - الخميس 23 مارس 2006م الموافق 22 صفر 1427هـ