يستعرض الطيب بوعزة تكوين الصورة الذهنية للولايات المتحدة في أحد أهم مقالاته «مخيال الأسطورة» . ويعرض أسطورة «زهرة مايو» (May Flower) وهي السفينة التي حملت مجموعة من المهاجرين الأوروبيين من أصول إنجليزية للشاطئ الأميركي.

حملت السفينة شخصاً يدعى جون هولاند، وهو جد الرئيس جورج بوش، وكان فيها هنري سمسون، جد زوجته باربارا، وضمت السفينة أشخاصاً آخرين، منهم أجداد الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد. يقول الطيب «عند دخول السفينة إلى أميركا شكل مهاجرو هذه السفينة أول مستعمرة في تاريخ الولايات المتحدة، ولذلك لا غرابة أن نجد الحاضر الأميركي يكثر من استحضار مايفلاور، بل يجعل أحد أيام السنة عيدا رسمياً خاصاً بها».

المعارضة البحرينية تبدو مصرة على تأسيس مخيالات أخرى مقاربة للأسطورة الأميركية، وعلى أن أصحاب السفينة الأميركية قد نجحوا على ما يبدو، في تأسيس أكبر إمبراطورية في التاريخ، فإن أصحاب المخيال السياسي في البحرين عاجزون عن تأسيس «السفينة» حتى الآن، فضلاً عن الأسطورة! فالمعارضة البحرينية بملفها اليتيم «الملف الدستوري» تلف وتدور، تتصارع مع السلطة، وكلما وجدت نفسها في مأزق سياسي أمام جماهيرها المتعطشة للحلول، صدرت خطابها نحو السفينة/الدستور. هذا المخيال لا أعتقد أنه يفي بمنطقة التبرير الواجب على المعارضة صناعتها، في حقيقة الأمر الملف الدستوري، رغم أهميته، ليس «أسطورة» مقنعة. ففي المملكة ملفات عالقة، وشجون أخرى غير الدستور، والمعارضة مازالت عاجزة في الخروج من ذهنية النضال التسعيني ولغته السياسية. المعارضة قوية في ملفها الدستوري، فالمنتج الخطابي التسعيني يفي بالغرض، ولربما كان الرجوع إلى الأرشيف لاستخراج بعض ما فيه من خطب سياسية ساخنة هو خيار أسهل من حلحلة إحدى القضايا العالقة هنا، أو هناك.

«العاطلون عن العمل» لم تكن مطالبهم متعلقة بالدستور، بل كانت مطالبهم محصورة في «لقمة العيش»، وكذلك كانت مطالب أهالي المحكومين بالإفراج عن أبنائهم، والمعارضة حين لا تمتلك ما ترتكز عليه في هذه المنطقة، تعود للإشكال الدستوري! فهي لم تستطع مقاومة الأداء السياسي لوزير العمل عبر برامجه/مسكناته. كان ظاهراً للعيان صعوبة التعامل مع الوزير العلوي في نقض برنامجه، و«النقض» يقتضي إيجاد بديل أكثر إقناعاً وواقعية. المخيال الأسطوري للمعارضة مخيال لا يعرف فلسفة الإبحار السياسي، هو مقتصر على ممارسة «التعري السياسي» قطعة قطعة. وهذا ما يجعل من صناعة السفن مجرد «ثرثرة»! أخيراً، لعل الركوب في السفينة أسهل على ما يبدو من صناعتها، وهذا ما يتجه له الأداء السياسي للمعارضة تحديداً