العدد 1290 - السبت 18 مارس 2006م الموافق 17 صفر 1427هـ

المحميد وإيرفينغ... وضحايا المحرقة!

حسن أحمد عبدالله comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أقدم المحرر الثقافي في صحيفة «يولاندز بوسطن» الدنماركية على نشر رسومات كاريكاتيرية مسيئة للرسول (ص) في سبتمبر/ أيلول الماضي، والآن يغلي العالم الإسلامي غضباً من الفعل المشين الذي تبنته الصحيفة ومن بعدها الكثير من الصحف الأوروبية، غربية وشرقية، وأميركية وبعض العربية. في المقابل جرت محاكمة المؤرخ البريطاني ديفيد ايرفينغ، المعتقل في النمسا، استناداً إلى قانون يعود إلى العام 1947، يمنع نكران المحرقة التي تعرض لها بضعة من مئات الآلاف من اليهود إبان الحكم النازي في ألمانيا وأثناء الحرب العالمية الثانية، وتزامن ذلك مع افتتاح المحامي الفلسطيني خالد المحميد في مدينة الناصرة المحتلة منذ العام 1948 متحفاً لتخليد المحرقة المذكورة.

وإذا كان المحميد يعتبر ان «المتحف هو لتبيان آثام أوروبا في حق اليهود (...) ولولا المحرقة لما وجدت دولة إسرائيل»، فإن القراءة التاريخية للمكونات الثقافية للهوية الإنسانية الحديثة تستوجب التوقف مطولاً عند مناطق هبوط الرسالات السماوية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام) والبيئة التي انطلقت منها هذه الأديان إلى العالم أجمع، ومتى بدأت حركة التقاتل البشري تحت يافطات الأديان، وكيف ترجم أبناء البيئة الأولى التعاليم الدينية إلى سلوك يومي اجتماعي؟

الظروف الثقافية الراهنة تفرض إعادة قراءة متأنية لمفهوم الآخر في الرسالات السماوية الذي أنتجته حركة البحث التاريخي في التعاليم وتفسيرها، في كل عصر حسب الفهم والإدراك الاجتماعيين فيه، إضافة إلى العلاقة التي نشأت نظرياً بين الالتزام بالتعاليم الدينية والتعايش الإنساني المشترك على هذا الكوكب الذي يكاد ينفجر من حركة الانزياح العلمية، المقصودة، نحو الجانب التدميري من البحث العلمي.

ففي السنوات الأخيرة كتب وقيل الكثير عن ضرورة احترام الأديان وبث روح التعايش السلمي بين أتباعها، حتى عندما خرج علينا صموئيل هنتنغتون بنظرية «صراع الحضارات»، كانت نظرية مبنية على رؤية عنصرية طاردة حتى لأتباع الدين المسيحي الذي اعتبره مهدداً من قبل الإسلام، إذ جعل المسيحية العربية في الخندق المعادي.

وفي ظل ما يجري، لاتزال مسألة المحرقة النازية الشغل الشاغل للدوائر السياسية في أوروبا، ولاتزال مسألة التشكيك في عدد من أحرقوا تعتبر من الآثام التي يعاقب عليها بالسجن بين 10 و20 عاماً، كما هو الحال مع ايرفينغ الذي يحاكم على بعض الكتب التي شكك فيها بعدد الذين أحرقوا... وليس بالمحرقة ككل!

ربما، ومن وجهة النظر الأوروبية، من حق دول أوروبا تحريم المس بالمحرقة حتى لا يصار إلى فتح ملف «الآثام الأوروبية بحق اليهود»، ما يعني نبشاً في تاريخ تحاول كل أوروبا دفنه ونسيانه بعد حمل النظام الهتلري وزر بشاعة الجرائم الأوروبية كلها، وبعدما دفعت ألمانيا التعويضات إلى «إسرائيل» عن جرائم الحقبة النازية. وربما من حق أوروبا ان تدعو، وعلى خجل، إلى احترام الإسلام في المحافل الرسمية وتبقي في الوقت ذاته على الاشتباه بالمسلمين كمصدر للإرهاب، نقول ربما... ذلك لأن الحروب الصليبية لاتزال طازجة في الذاكرة الأوروبية، ولأن غياب العدو يؤدي في بعض النواحي الاقتصادية إلى كساد وبطالة، والى استرخاء فكري في الأوساط المتطرفة (عرقياً ودينياً)، لكن أليس من واجب العقل المسلم أن يعمل على إنتاج لغة قادرة على محاورة الآخر، أو ليس ذلك أيضاً من واجب العقل العربي، الذي يتمتع بما لا يتمتع به العقل الأوروبي من حيث المكونات الثقافية، إذ في بيئته هبطت الرسالات السماوية الثلاث؟ أليس من واجب الثقافة الديموقراطية الغربية، وحرية الاعتقاد والتعبير التي ينادي بها الغرب، ان تأخذ في الاعتبار ان العصر لم يعد يقبل إقصاء ثقافة لتحل مكانها ثقافة أخرى؟

أياً كانت الأسئلة والإجابات، والأسباب الدافعة لإغماض العين الأوروبية، القائمة على احترام حقوق الإنسان، عن الإساءة إلى دين وثقافة أتباعه، وفي الوقت نفسه رصد كل رمشة جفن بالنسبة إلى جريمة ارتكبها نظام يتحمل المسئولية الكاملة في الكثير من الجرائم ضد الإنسانية، وليس مسئولية المحرقة فقط، فإن الضرورة الثقافية في هذه المرحلة تفرض على العقل العربي والمسلم عموما، البحث عن لغة قادرة على إفحام الفكر المتطرف في الداخل والخارج، لغة يفهمها الآخر ولا تستفز فيه أعصاب الخوف والحذر

العدد 1290 - السبت 18 مارس 2006م الموافق 17 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً