العدد 129 - الأحد 12 يناير 2003م الموافق 09 ذي القعدة 1423هـ

سايكس بيكو جديدة... أم تحقيق للمصالح من دون تقسيم

نجاة شرف الدين comments [at] alwasatnews.com

بعد مرور 82 عاما على توقيع اتفاقات سايكس بيكو (1917) التي كانت بمثابة مكافأة للمنتصرين في الحرب العالمية الاولى، عاد الحديث أخيرا عن سايكس بيكو جديدة في الشرق الاوسط على رغم التغييرات الكثيرة التي حدثت. ففي اتفاقات سايكس بيكو التي اكتسبت اسمها من اسمي وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا آنذاك تم تقسيم الشرق الاوسط الى خريطته السياسية الحالية وهو تقسيم لعبت وزارة المستعمرات البريطانية دورا مهما في حين تم صوغ الكيانات السياسية في المنطقة بصورة تضمن استمرار الخلافات بين هذه الكيانات سواء على الحدود او نتيجة الانقسام للقوى والتكتلات العرقية والقومية الاثنية بين هذه الكيانات.

وكانت حكمة الاتفاق التاريخي على قاعدة ان التقسيم يخلق حال نزوع دائمة نحو الوحدة وهذا النزوع سيضفي على الكيانات السياسية قدرا كافيا من عدم الاستقرار والاضرابات ما يجعل هذه البلدان في حاجة دائمة إلى قوة كبرى تكفل لها الحماية سواء للنظم التي تحكم او لضمان سيادة كل كيان على اراضيه. ولا يوجد اقليم واحد على امتداد العالم يشهد هذا القدر من الخلافات على الحدود بين اعضائه مثل المنطقة العربية كما من المخاوف من الانفصال بدءا من المغرب والجزائر، وليبيا ومصر، وصولا الى مصر والسودان، واقطار الخليج العربي. اما رغبات الانفصال والاستقلال مثل الموارنة في لبنان والاكراد في العراق.

هذه اللوحة الاشبه بالفسيفساء صنعها اتفاق سايكس بيكو أورثت المنطقة عددا من المشكلات وأرغمتها على علاقات بقوة تتراوح بين الصداقة العميقة الى التبعية الكاملة. صيغة سايكس بيكو كانت مقبولة في العشرينات من القرن الماضي حين كانت ثقافة المستعمرات مازالت قائمة والعالم خاض الحرب العالمية الاولى بسبب الخلاف على تقسيم المستعمرات ومناطق النفوذ التي كانت موردا مهما لثروات عصر التحول والازدهار في اوروبا.

ويستند المعتقدون بسايكس بيكو جديدة الى المنطق الاستعماري ذاته وهو منطق تغذيه دائما أفكار احزاب اليمين واتجاهاته وهي حاليا (للأسف) التي تحكم القوة العظمى الاولى في العالم ولعل متابعة الدور الذي تقوم به بريطانيا في المنطقة بصفتها الاكثر خبرة ودراية بها ومازال ارشيف خارجيتها يحتفظ بخطط وخرائط المنطقة يعزز التفكير والمخاوف من سايكس بيكو جديدة. لقد كانت القوة المرشحة أكثر من غيرها لبدء عملية اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط هي الاكراد. وكانت حرب الخليج الثانية بعد تحرير الكويت هي المناسبة الاكثر مواءمة لتشجيع هذا الانفصال.

فقد شهدت واشنطن ولندن حركة دؤوبة لزعيمي الاكراد مسعود بارزاني وجلال طالباني بل وذهب الامر الى اعلان الاكراد عن طبع عملة جديدة لهم وعن مناقصة دولية لاستغلال نفط الموصل وكركوك الا ان الامر لم يتم. واعتبر الاكراد ان الغرب خذلهم بسبب ضغوط الحلفاء وأولهم تركيا التي ساومت بقسوة لمنع هذه الخطوة منبهة الى الوجود الكردي الكبير فيها وفي ايران وسورية وأرمينيا ودول الكومنولث الروسي وان انفصال اكراد العراق سيفتح بابا «من جهنم» على المنطقة. وليست مصادفة ان يقوم رئيس وزراء تركيا الجديد (عبدالله جول) بجولة الاسبوع الماضي في عدد من العواصم العربية المهمة في الشرق الاوسط لبناء تحالف سياسي رافض لتقسيم العراق ويصل الامر الى ان يعرض امكان منح الرئيس العراقي صدام حسين وعائلته حق الاقامة في تركيا وضمان عدم محاسبته لنزع فتيل المواجهة العسكرية التي ستفتح الباب مجددا امام التقسيم.

وتلقى دعوة تركيا لبناء التحالف السياسي الرافض لتقسيم العراق ترحيبا في العواصم الثلاث التي تمثل محورا سياسيا في الشرق الاوسط وهي دمشق والرياض والقاهرة.

في موازاة ذلك تتحرك الدبلوماسية البريطانية وتحمل ما مضمونه انه اذا كانت المصالح الاميركية البريطانية ستتحقق بضمانات حقيقية فلا داعي لتقسيم جغرافي جديد وخلق كيانات سياسية جديدة، ولذلك تبدو النبرة البريطانية أكثر هدوءا وتفتح الباب لحوار سياسي. وكان كلام وزير الخارجية البريطاني (جاك سترو) واضحا بقوله: ان احتمالات العمل العسكري اقل بكثير مما يتوقع المراقبون. اما بقية الجملة التي لم يقلها سترو «ما دامت المصالح ستتحقق فلا حاجة للحرب، ولا للتقسيم». اما كيف ستواجه الكيانات السياسية العربية هذه المخاوف فهذا ما لم يقله العرب

العدد 129 - الأحد 12 يناير 2003م الموافق 09 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً