العدد 1288 - الخميس 16 مارس 2006م الموافق 15 صفر 1427هـ

هالبرشتادت... مدينة ألمانية بأيدي النازيين الجدد

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

شيء عادي للغاية أن يحيي شباب المدينة بعضهم بتحية هتلر التقليدية (هايل هتلر) أي عاش هتلر. مدينة هالبرشتادت الواقعة في ولاية زاكسن أنهالت بألمانيا الشرقية سابقاً، بأيدي النازيين الجدد الذين يصفونها بانها منطقة محررة، فلا وجود فيها للأجانب. وقبل أسبوع لم يكن كثيرون في ألمانيا يعرفون اسمها ولا موقعها، إلى أن حدث ما جعلها على كل شفة ولسان.

كان من المقرر أن يحيي المغني الألماني المعروف كونستانتين فيكر حفلة غنائية فيها، وهو المغني الذي زار العراق للتضامن مع شعبه قبل اندلاع الحرب العام 2003، وكان يعتزم أن يغني منددا بالايديولوجية النازية. ولأن هالبرشتادت خاضعة لنفوذ النازيين الجدد، سحبت السلطات المختصة في المدينة رخصة الحفلة، فكانت علامة واضحة على استسلام مدينة ألمانية لنفوذ النازيين الذين أعادوها إلى الوراء.

من يزور المدينة يشاهد الشوارع شبه خالية من السكان، وسرعان ما يلاحظ وجود شباب حليقي الرؤوس يرتدون سترات الميليشيا وأحذية الجيش، كأن الحرب العالمية الثانية لم تنته هنا، وهو ما لا يزعج المواطنين فيها. بائعة خمسينية تعرض في محلها ملابس الميليشيا، وصفت الشباب النازي بالطيبين! ومع ذلك لم ترغب بذكر اسمها لئلا يعرف أحد أنها تكن مودة للنازيين، لكنها ترى إظهار المودة لهم جزءا من الدعاية لمحلها.

ويلتقي النازيون الجدد أحيانا تحت سمع وبصر البوليس السري الألماني. ويلاحظ البعض انهم أصبحوا أكثر استعدادا للقيام بأعمال عنف، فيما تلزم سلطات المدينة الصمت، فلا يبدو أن هناك وصفة ناجعة لكبح جماح هذه الفئة من سكان المدينة.

السكان الذين يشعرون بالغضب يعتبرون إلغاء الحفلة علامة مؤسفة على فشل الدولة الألمانية في الوقوف بوجه النازيين الجدد. وقد كان شعار الحفلة: «ليخرج النازيون من هذه المدينة»، وهو ما دفع رئيس فرع الحزب القومي اليميني المتطرف ماتياس حيدر لإرسال رسالة تهديد إلى مجلس البلدية، مهدداً ببذل قصارى جهده لمنع قيام الحفلة، وإذا فشلت السبل القانونية سيحضر أعضاء ومؤيدو الحزب لتعطيلها بأيديهم. وفي المقابل هدد ممثل النازيين بإحياء حفلات موسيقى نازية في المدارس. وسرعان ما قامت البلدية بسحب موافقتها على إحياء حفلة غنائية للمغني اليساري فيكر، ما عرض البلدي إلى سيل من الانتقادات من العاصمة (برلين). واتهم المجلس المركزي ليهود ألمانيا السياسة بالإفلاس والانبطاح أمام ضغط النازيين الجدد.

نائب عمدة المدينة ميشائيل هاز اعترف أن سمعة المدينة أصبحت سيئة، «وكان بالوسع الحيلولة دون ذلك لو وقفنا جميعا بوجه النازيين الجدد وأصررنا على قيام الحفلة الغنائية».

هالبرشتادت البالغ عدد سكانها 42 ألف نسمة، مدينة «شرقية» نموذجية، وبعد الوحدة في العام 1990 طبقت فيها قوانين الشطر الغربي، وسرعان ما فقدت غالبية سكانها وظائفهم، ولم يتحقق الوعد الذي قطعه المستشار السابق هيلموت كول للشرقيين في ذلك العام بحدوث انتعاش اقتصادي، بل تحول السكان إلى جيش صغير من العاطلين. وهو الوضع الذي استغلته الأحزاب اليمينية المتطرفة التي نشطت في التحريض على الدولة الألمانية ومعاداة الأجانب، وباستثناء السياحة ليس في المدينة منطقة صناعية فعالة. وعلى رغم أن نسبة الأجانب في هذه المناطق شبه معدومة، فإن مكتب تقديم النصح لضحايا العنف يشكون من الاعتداءات المتكررة على اللاجئين الأجانب الذين يكتب لهم القدر أن ينقلوا للعيش في ألمانيا الشرقية السابقة. في شهر مايو / أيار الماضي طاردت مجموعة من النازيين الجدد أحد اللاجئين بعد وصوله بالقطار إلى المحطة الرئيسية وحطموا زجاجات البيرة على رأسه ثم هاجموا شرطية أرادت مساعدة الضحية وألحقوا بها جروحاً. وقالت متحدثة باسم مكتب ضحايا العنف ان المعتدين من النازيين الجدد يحصلون عادة على عقوبات «مع وقف التنفيذ»! فهل هذا علامة استسلام النظام؟

النازيون الجدد يريدون التأكيد على نفوذههم من خلال مسيرة بذكرى ميلاد هتلر في أبريل / نيسان المقبل. وتتملك الحيرة السكان من الوضع الذي وصلته مدينتهم، والغضب من النظام الذي أثبت فشله في مواجهة النازيين الجدد بعد مضي أكثر من ستة عقود على نهاية الحقبة النازية في ألمانيا.

العدد 1288 - الخميس 16 مارس 2006م الموافق 15 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً