العدد 1288 - الخميس 16 مارس 2006م الموافق 15 صفر 1427هـ

لا لدخول الإستكبار في ثنايا الحوار الداخلي

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

يمثل موضوع المرأة واحداً من الملفات التي تظل تفرض نفسها على الساحة العالمية بعامة، وفي الساحة الإسلامية بخاصة، بالنظر إلى أهمية هذا الموضوع وخصوصيته من جهة، وإلى وضع الإسلام على لائحة الاستهداف الأساسية عندما يفتح هذا الملف ليصار إلى محاكمته غيابياً في كثير من الأحيان أو إلى الاعتماد على فهم خاطئ لبعض النصوص، وصولاً إلى محاولات النيل منه ثقافياً وفكرياً وتحميله المسئولية في التبعات التي انطلقت من تخلف الفهم أو تخلف الواقع... ومع أن المرأة مثلت في النظرة الإسلامية عنوان السكن إلى جانب عنوان الرحمة، وكانت الأساس في وصايا النبي الأكرم (ص) الذي أوصى باحترامها والاهتمام بها كالاهتمام باليتيم بالنظر إلى خصوصية هذا الاهتمام وإلى الظلم التاريخي الذي لحق بها وجعل أمومتها في المستوى الذي يرتفع عن الجنة نفسها في مقولة النبي (ص) التي لا يوجد مثيل لها في التراث الإنساني «الجنة تحت أقدام الأمهات»، إلا أن ذلك لم يمنع من أن يرمى الإسلام بكل سهام الاتهامات الباطلة في قضية المرأة الأم أو الأخت أو الزوجة أو ما إلى ذلك.

ونحن عندما نثير ذلك، فإننا لا نريد أن نتحرك من موقع الإحساس بضغط عنصر المؤامرة في هذه القضية كما في غيرها، ولكن من دون أن نستبعد جانب التآمر بالمطلق والذي أضيف له جانب آخر تمثل في إسقاط الواقع المتخلف في الكثير من مجتمعاتنا على الإسلام، الأمر الذي اختلطت فيه الصورة على كثير من المتابعين أو الباحثين الذين اعتبروا أن أفضل طريقة لاكتشاف عناصر القوة أو الضعف في مسألة من المسائل الاجتماعية أو الثقافية هي أن يصار إلى الحكم على الفكرة أو المفهوم أو القيمة من خلال تجسيدها في النماذج الإنسانية والمجتمعات البشرية التي تتمثلها أو تطبقها في الميدان الاجتماعي الواسع.

لقد عمل الإسلام منذ أن أطلت تباشيره الأولى على أن يرفع المرأة من واقع القهر والتخلف والوأد ليقدمها كإنسان سوي تماماً كما هو الرجل، وليكلفها مهمة بناء الإنسان جنباً إلى جنب مع الرجل، فانطلقت الآيات القرآنية لتوكل إليها وإلى الرجل مهمة واحدة فيما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: «المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» (التوبة: 17)، ولتحملها في المقابل المسئولية عن الأخطاء وعن كل تقصير ولتضعها في موقع تحمل تبعات ذلك تماماً كما هو الرجل، فهي كما تتساوى معه في الثواب وفي حمل المسئولية الكبرى والقيام بأعباء الحياة المختلفة وصناعة الإنسان، تتساوى معه أيضاً في مسألة العقاب.

وإذا كان البعض يتحدث عن الاضطهاد الذي واجهته وتواجهه المرأة في مجتمعاتنا، فإن السبب فيه يعود إلى التخلف وإلى تجاوز أحكام الإسلام الذي يعاقب على كل حالات الاضطهاد الجسدي أو النفسي للمرأة ويعتبر العنف المستخدم ضدها من الزوج أو الأخ أو الأب أو ما إلى ذلك، جريمة تستدعي التدخل من الحاكم الشرعي أو من السلطات المعنية لمنعه من ذلك. وإذا كان ثمة من يعتقد بأن الجانب التشريعي يمنع من إيقاف الجاني عند حده، فإننا في الوقت الذي ننفي ذلك على مستوى الأحكام الإسلامية الحاسمة في هذا المجال ندعو المرأة إلى أن تسعى بكل طاقتها لكي تأخذ بأسباب القوة الفكرية والثقافية كي تدافع عن نفسها في هذا الجانب. كما ندعوها إلى تعلم الفنون الرياضية ضمن النطاق الأخلاقي الذي يقبل به الإسلام لتصبح في موقع القوة الجسدية التي تستطيع من خلالها أن تدافع عن نفسها وأن تمنع أذى الآخرين سواء أكانوا من الرجال أم من النساء.

كما نريد للمرأة أن تعيش الثقة الكبرى بإمكاناتها لتواجه كل الضغوط التي تنهال عليها والتي تحاول أن تستضعفها أو أن تعمل لتحويلها إلى سلعة سياحية سهلة الاستخدام لحساب الجهات الاقتصادية أو المالية أو حتى السياسية أو ما إلى ذلك. ونحن في الوقت الذي نؤكد ضرورة أن تأخذ المرأة حقها كاملاً في المجال الأنثوي والجنسي في إطار الضوابط الإسلامية والأخلاقية، نريد للمرأة أن تعمل لتعميق قيم العفة وأن تصر على التربية الأخلاقية الإسلامية المنفتحة على قضايا العصر وأن تحمل سلاح الوعي والثقافة والإبداع لتواجه لصوص الرذيلة ومروجي الرق الجنسي على المستويات الإعلامية أو في الجانب العملي في الحياة. ومن هنا، فنحن نعول كثيراً على الطاقات النسائية الشابة والواعية التي تنذر بنماذج واعدة وبأقلام رائدة في مختلف أطر المعرفة والكتابة، كما نريد لهذه النماذج أن تخترق الساحة السياسية بجد وجهد ومتابعة، لأننا نتطلع إلى نجاحات نسائية إسلامية في المجال السياسي والاجتهادي وما إلى ذلك.

إن الإسلام يعتبر المرأة كياناً سياسياً واجتماعياً مستقلاً فيما هي آراؤها ومواقفها التي تختص بها والتي لا يمكن للزوج أو الأب أو الأخ أن يفرض رأيه عليها، وفيما هي توجهاتها السياسية والاجتماعية، إذ لا يمكن لأحد أن يفرض رأيه عليها في الميدان السياسي أو في الشخص الذي تريد أن تنتخبه وكذلك في الميدان الفكري والنفسي، وعلى الرجل أن يعرف حدوده في كل هذه الأمور وأن يتقي الله في تعامله مع المرأة وألا يفرض تخلفه على المرأة باسم الدين أو باسم الإسلام... وإذا كنا نتطلع إلى استقلالية المرأة فيما هي خصوصياتها وحقوقها، فإننا نتطلع إلى استقلالية الأمة، ونحن نجد علاقة وثيقة بين الأمة التي تعيش الاستقلال في مواجهة الأمم الأخرى وبين التحرر الذاتي الذي ينطلق من داخل الأمة، لأن الأمة التي تعيش في نطاق الحرية المسئولة في الداخل ويأخذه فيها الضعيف حقه من القوي وتأخذ فيها المرأة حقها من الرجل أو العكس، هي المؤهلة لسلوك سلم التدرج والصعود العلمي والثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي. إننا نريد للأمة أن تتمرد على واقع الاضطهاد الداخلي لتصنع قوتها الداخلية في مواجهة الاضطهاد الخارجي، وخصوصاً في هذه المرحلة التي نشعر فيها بخطورة الحملة الثقافية عليها، والتي تريد اقتلاعها من جذورها الثقافية ليسهل إخضاعها سياسياً وأمنياً ولتصبح أمة ميتة لا تحمل في جدبها ومواتها إلا قابلية التبعية للمستكبر وقابلية التحول السياسي والفكري والثقافي لحسابه. وعلى هذا الأساس، نريد للبنان ألا يكون ممراً للاستكبار العالمي ولا مستقراً، ونريد للبنانيين التواقين للاستقلال الحقيقي ألا يفسحوا له المجال لكي يدخل في ثنايا الحوار اللبناني الداخلي وإن من خلال الهواجس، لأن مشكلتنا في هذا البلد أننا كنا نفكر دائماً بأمور الآخرين وأولوياتهم وحتى بهواجسهم على حساب أولوياتنا وهواجسنا. إننا نريد بلداً حراً عزيزاً سيداً مستقلاً خالياً من هواجس الخضوع لأحد في المنطقة أو العالم من دون أن يعني ذلك التنكر لقضايا الأمة، لأن حرية لبنان لا يمكن أن تنفصل عن حرية الأمة وعزتها واستقلالها.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1288 - الخميس 16 مارس 2006م الموافق 15 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً