العدد 1288 - الخميس 16 مارس 2006م الموافق 15 صفر 1427هـ

مخاوف الدول النامية من نظام التجارة العالمي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مطلع هذا الشهر أعرب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن قلق بلاده إزاء بطء وتيرة المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن طلب موسكو الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.

وقال لافروف في مؤتمر صحافي مشترك مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس بعد يوم واحد من توقيع الولايات المتحدة وأوكرانيا على اتفاق ثنائي لقبول كييف في منظمة التجارة إن الولايات المتحدة هي البلد الوحيد إلى اليوم الذي لم يوقع بروتوكول قبول روسيا في منظمة التجارة العالمية.

وتجري روسيا مفاوضات منذ أكثر من عقد للانضمام إلى منظمة التجارة التي يوجد مقرها في جنيف. وهي أحد الاقتصادات الرئيسية القليلة التي مازالت خارج المنظمة التي تضم 149 عضواً. وسيكون ابرام صفقة مع الولايات المتحدة واحداً من الخطوات الأخيرة في سعيها الذي طال أمده للانضمام إلى المنظمة.

ويكشف هذا الإصرار الروسي على تحميل الولايات المتحدة مسئولية بقاء الأولى خارج المنظمة مدى النفوذ الذي تتمتع به واشنطن في صفوف منظمات الأمم المتحدة. وهو نفوذ أكثر من عانت من كانت منظمة اليونيسكو في منتصف الثمانينات من القرن الماضي.

من جانبها، حاولت رايس تبرير موقف بلادها فقالت للصحافيين ان الولايات المتحدة تريد أن ترى روسيا تنضم إلى منظمة التجارة العالمية (لكن) هناك قواعد للانضمام إلى المنظمة ونحن نتباحث على أساس تلك القواعد... لدينا بعض القضايا العالقة في مجالات الزراعة والخدمات لكن مفاوضينا يبذلون قصارى جهدهم.

وأضافت رايس أن الاتفاق يجب أن يحظى أيضاً بموافقة الكونغرس مشيرة إلى حاجة المشرعين إلى اخراج روسيا من قانون تجاري يرجع إلى زمن الحرب الباردة يعرف باسم تعديل جاكسون فانيك في اطار صفقة الانضمام.

والواقع أن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي تنتقد الولايات المتحدة وأن هذه الأخيرة ليست الدولة الوحيدة التي تتعرض لمثل هذه الانتقادات، إذ تشارك أوروبا الولايات المتحدة في الانتقادات التي توجه لنظام التجارة العالمي ومن ضمنه منظمة التجارة العالمية. ففي مؤتمر كانكون في العام 2003 تعرضت أوروبا والولايات المتحدة لاتهامات مجموعة الـ 21 بأنهما تحاولان تفكيك عرى تحالف قوي جديد مؤلف من دول فقيرة عاقدة العزم على إعادة كتابة قواعد التجارة العالمية.

فقد توعدت مجموعة الدول الـ 21، التي تضم في صفوفها الصين، والهند والبرازيل، الهيمنة التقليدية للبلدان الغنية أثناء محادثات التجارة العالمية في كانكون.

فتش عن الزراعة

وطالبت مجموعة الـ 21 حينها بإلغاء كامل للدعم المالي الذي تقدمه الدول الغنية لمزارعيها والذي تقول المجموعة إنه يقصي العالم النامي عن الأسواق الدولية.

وكانت وكالة »آكشن إيد« الدولية للإغاثة اتهمت الوفد الأميركي في كانكون بمحاولة تضليل الدول الفقيرة والاستئساد عليها لإجبارها على الانسحاب من مجموعة الـ 21، وهو اتهام نفاه الأميركيون.

ويبدو أن الزراعة هي المنتج المطروح على طاولة المحادثات، فقد سيطر النزاع الناشب بشأن الدعم الزراعي على الاجتماعات التي عقدت في كانكون، ولم يتحقق منها حتى الآن سوى القليل من التقدم، على رغم الكثير من التناولات التي قدمتها الدول النامية منذ انتهاء أعمال ذلك المؤتمر.

فبينما كانت مجموعة الـ 21 تطالب دول العالم الغنية بضرورة الوفاء بتعهداتها التي قطعتها على نفسها قبل عامين من تاريخ انعقاد ذلك المؤتمر، بخفض التعريفات الجمركية. نجد أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مصرين على أن الدول الأكثر فقرا يجب أن توافق على إصلاحات قانونية وتجارية أشمل مقابل أية تنازلات في مجال الدعم الزراعي.

يشار إلى أن البلدان الغنية تقدم ما يربو على 320 مليار دولار من المنح لمزارعيها، أي أكثر من 6 أضعاف ما تقدمه للدول الفقيرة على صورة مساعدات.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، لمسنا ازدياد قلق البلدان النامية، خصوصاً أصغرها وأكثرها ضعفا، بشأن موضوع زيادة مشاركتها في نظام التجارة العالمي. ويرجع ذلك إلى خوفها من إغراقها بمنتجات البلدان الثرية أو أن تخسر أمام منافسين يقدمون منتجات أرخص ثمناً. وللوصول إلى نظرة متبصرة بشأن هذه المخاوف.

ومن الصعوبة بمكان لوم هذه البلدان، بما فيها تلك التي تتوافر بحوزتها بعض السيولة النقدية مثل الدول النفطية العربية، على تمسكها بمثل المخاوف التي شكلت عاملاً رئيسياً من عوامل فشل أي تقدم في محادثات الدوحة بشأن التجارة العالمية الذي عقد في العام 2001.

حالة الشد والجذب القائمة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة والدول النامية من جهة ثانية تطرح على هذه الأخيرة سؤالاً في غاية الأهمية: هل يتعين على البلدان النامية الصغيرة أن تشارك في نظام التجارة العالمي؟

بشأن هذا الموضوع أجرت مجلة »التمويل والتنمية« التي تصدر عن صندوق النقد الدولي في عدد مارس/ آذار 2005 مقابلة مع روبنز ريكوبيرو، وهو وزير مالية سابق في البرازيل، وخامس أمين عام للأونكتاد من 1995 إلى 2004، الذي أكد أن هناك حاجة لمبادرات عملية لتبديد مخاوف البلدان النامية من تأثير التحرير. يلخص روبنز موقف الدول النامية في كلمة واحدة هي »الخوف«، يوزعها على محاور أساسية يوجزها بالقول: إن الخوف هو في الواقع التفسير الأساسي لسبب عزوف البلدان النامية عن المشاركة في النظام التجاري متعدد الأطراف. والخوف ليس دائما غير عقلاني أو ليس له تفسير. فعندما ينشأ هذا الخوف من خطر حقيقي، لا تكون هناك فائدة في الادعاء بأنه سيتبدد تحت تأثير الحجج الأكاديمية بشأن المكاسب النظرية الناتجة عن الانفتاح التجاري.

والأسباب المحددة للمخاوف كما يراها روبنز ويدعو إلى التصدي لها والتغلب عليها، من أجل إنجاح مساعي التأسيس لنظام تجارة عالمي عادل تتلخص في ثلاثة أنواع عامة هي: الخوف من عدم فهم الجوانب المعرضة للخطر بشأنها أو عدم امتلاك مهارات التفاوض والمواهب التي تسمح بالمشاركة الفعالة في لعبة المفاوضات الصعبة؟

الخوف من النتائج السلبية الملموسة جداً للمفاوضات مثل فقدان الوظائف، وهوامش المعاملة التفضيلية، والأمن الغذائي، وتدهور معدل التبادل التجاري بالنسبة إلى مستوردي الغذاء الخالص، والكلفة الإضافية لتنفيذ أنظمة الإنفاذ المعقدة مثل تلك المطلوبة بالنسبة إلى حقوق الملكية الفكرية.

الخوف من عدم القدرة على المنافسة من حيث النوعية والثمن وطائفية المنتجات.

هل تستمر حال الشد والجذب التي تسود مفاوضات التجارة العالمية والصادرة عن محاولة إرساء مجموعة من القواعد الصارمة، لكن ربما القابلة للتطبيق عالمياً من جهة، وبين السماح ببعض الخروج عن القواعد والاستعانة ببعض الاستثناءات من خلال إعطاء بعض المعاملات التفضيلية لبعض الدول النامية ولو بشكل مؤقت جهة ثانية.

وعلى صعيد آخر، هل تنصاع الكتلة الأوروبية - الأميركية لمطالبات الدول النامية لوقف دعمها لمنتجات تلك الكتلة الزراعية؟

5 سنوات انقضت على محادثات الدوحة ومفاوضات تأسيس نظام التجارة العالمي لاتزال تسير بخطى بطيئة، وليس هناك ما يبشر بتغيير وتيرتها إذا استمرت حالة الشد والجذب هذه.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1288 - الخميس 16 مارس 2006م الموافق 15 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً