العدد 1287 - الأربعاء 15 مارس 2006م الموافق 14 صفر 1427هـ

النتائج الكارثية لمحاصرة الجمعيات الخيرية والإنسانية

هيثم مناع comments [at] alwasatnews.com

من جال بخاطره، أن الثقافة العربية الإسلامية، التي أعطت للغات العالم كلمة المحسن والإحسان وجمعية الخير، ستعود المكافأة لها بربط خبيث ومغرض بين العمل الخيري الإسلامي والإرهاب؟ كيف يمكن تصوير إحدى أهم أشكال المساعدة الإنسانية لمناطق كثيرة منسية في العالم باعتبارها بين وسائل تعزيز العنف والإرهاب في العالم؟ وهل يحق لنا، على رغم كل الصلات المعروفة وغير السرية لمنظمات كبيرة مسيحية بالتبشير وصلة المساعدات التي تقدمها وزارات الخارجية والتعاون الغربية بالسياسة المعلنة والباطنة لهذه الدول تجاه مناطق الصراع، ووسائل توظيف العمل الخيري من حلف «الناتو» والتجمعات بين الحكومية، من من الباحثين لا يعرف أن عدد المبشرين البروتستانت العام 1902 بلغ 98388 مدعوماً بلجان يبلغ أعضاؤها خمسة ملايين ونصف من وسائلهم بناء المدارس والمستشفيات وليس الكنائس وحسب.

قبل 10 أعوام، جاوز عدد الجمعيات الإنسانية والخيرية والتعاونية في الولايات المتحدة المليون ونصف المليون، واعتبر ذلك حدثاً نادراً في التاريخ لقدرة شعب ومؤسسات في بلد واحد، على ارتقاء هذا الرقم الذي يضم الإرساليات ووسائل الترويج الدينية والعلمانية ووسائل الدعاية المرتبطة بوزارات حكومية منها وزارة الدفاع، كما نجد منظمات غير حكومية بمعنى الكلمة المتعارف عليه. فمن يستطيع القول أن هذا الجسم المدني مهمته الخارجية الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة أو إدارتها أو حزب سياسي؟ هل لأنها خارج الاحتواء والتوظيف؟

بالتأكيد لا يمكن في بلد اقتصاد السوق الأول أن يترك الفضاء المدني في حالة استقلال كاملة عنه. لذلك نستبق البحث بالقول: إن دخول معركة اتهام الآخر هي أرض مليئة بالألغام وتحمل مخاطر لا حصر لها، ليس فقط على الجمعيات الإنسانية الإسلامية بل على العمل الخيري والمجتمعات المدنية قاطبة. في 14 ديسمبر 2001 قامت قوات مدرعة فرنسية وإيطالية من 50 شخصاً من AFOR باقتحام مكتب الإغاثة العالمية في مدينة جاكوفا وحطمت الأبواب على رغم تسليمها المفاتيح، ثم صادرت ما في المكتب من أجهزة كمبيوتر وملفات وقوائم حسابات ومفكرات شخصية وجوازات سفر الموظفين وزوجاتهم والوثائق الخاصة بهم الصادرة عن UNMIK واعتقال من فيه. وتم تعذيب العاملين قبل بدء التحقيق معهم بحضور مراقب من FBI. يضاف إلى ذلك محاولات الإهانة أثناء نقلهم كالأمر بخلع الملابس والتعرية والضرب العشوائي على أعضاء الجسم والتقييد بالسلاسل. ثم النقل إلى القاعدة الأميركية في بوندستيل، ويستمر التحقيق في ظروف غير إنسانية، وعزل انفرادي مع فريق التحقيق الذي شملت أسئلته مهمات المنظمة الخيرية ونشاطاتها «السرية»، وصولاً إلى الاستفسار عن أسباب حج المسلمين لمكة! هذا المشهد الذي حدث في كوسوفو، سيتكرر في باكستان والمغرب واليمن والأردن قبل أن يعم الدول التي أيدت من دون طرح أسئلة، ما سمي بالحرب على الإرهاب سيكون حرباً على العمل الخيري بتعبيراته الإسلامية المختلفة وستكون النتائج كارثية على المجتمعات الإسلامية التي وجدت نفسها تحت رحمة وسياسة المنظمات الغربية الإنسانية.

بعد أن كانت أفغانستان سبباً في انطلاقة عالمية صلبة للجمعيات الإنسانية الإسلامية، تحول هذا البلد إلى نقمة عبر تقديم «لجنة دعم الأفغان» كنصير ل «القاعدة» وجامع تبرعات لها. وبذلك تجمدت أرصدة وحسابات هذه اللجنة «لتجفيف منابع الإرهاب». مكتبا جمعية إحياء التراث الإسلامي في باكستان وأفغانستان، اتهما أيضاً بدعم الإرهاب، وكذلك «جمعية الرشيد الخيرية» التي لها دور مهم في عون الكشميريين.

في العام 1993، توجهت إلى آزاد كشمير ضمن بعثة تحقيق دولية وقمنا بزيارة مخيمات اللاجئين هناك. لم نصادف منظمة إنسانية دولية واحدة، لم يكن أطباء بحدود أو من دون حدود. فالمنطقة نائية وبعيدة وخطرة، لا توجد فيها فضائيات ولا دعاية، وبالتالي ليست موضوع تسويق Marketing إنساني. وهي بتعبير أصحاب الاستراتيجيات قضية خاسرة، فلم تضيع المنظمات الإنسانية وقتها هناك؟ في هذه النائيات كانت المنظمات الإنسانية الإسلامية تقوم بواجبها بصمت ومن دون ضجيج أو دعاية. فما هو الثمن الذي دفعته؟ لقد قرر الجنرال مشرف منع الجمعيات الإسلامية الأهم من النشاط، وعندما حدث زلزال باكستان، لم يجد عند المنظمات الغربية القدرة على تغطية حاجة المناطق المنكوبة.

بمراجعة وثائق الكونغرس، نجد الأسئلة تتركز في اجتماع 21 يوليو 2003 على الندوة العالمية للشباب الإسلامي وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، وفي نقاش جرى مع دبلوماسيين أوروبيين في باريس بعد المؤتمر الثاني للمكتب الدولي في جنيف، تم التوقف عند الندوة العالمية، عندما سألت لماذا، لم تخف سيدة كانت أقل دبلوماسية من الرجال خوفها «من أن تصل نشاطات هذه المجموعة الوهابية إلى أوروبا وتؤثر على الشبيبة المهاجرة». فلم يكن لي، ولدي اثنان من الندوة أعضاء في المكتب الدولي، أن أطلب منها أن ننظم اجتماعاً مشتركاً معهما للتعرف على الندوة كما هي، لا كما توصل أجهزة استخبارات مشبوهة، فرفضت على الفور.

واتبعت سياسة تجفيف موارد الجمعيات الإنسانية لا المنظمات المسلحة، فأزيلت صناديق وأكشاك جمع التبرعات لخمس جمعيات كبيرة مرخصة في الكويت، وقررت الحكومة المصرية رفع مشروع قانون لتوسيع الرقابة الحكومية على نشاطات المنظمات غير الحكومية والخيرية، وطالب الرئيس بوش شخصياً بتجميد أصول وأرصدة جمعية «سنابل للإغاثة والتنمية» في لبنان وجمعية الإغاثة الفلسطينية ولجنة الإحسان والإغاثة في فرنسا والجمعية الفلسطينية في النمسا بحجة دعمها لحماس. وقد أحصينا مصادرة وتجميد للجمعيات الخيرية في ألمانيا وهولندا والدنمارك وإيطاليا وأستراليا والولايات المتحدة، ناهيكم عن البلدان الإسلامية.

وتسلم الأردن قرار الرئيس بوش بتجميد أموال ثلاث مؤسسات مالية إسلامية هي «بنك الأقصى» و«مؤسسة الأراضي المقدسة» و«شركة بيت المال الفلسطيني». وأحياناً كانت الملاحقات والمضايقات تشمل مبادرات تتعلق بموائد الرحمن أو وجبات الإفطار، فقد تم إيقاف «الجمعية الخيرية الاجتماعية» بالرباط من العمل ببرنامج وجبات الإفطار التي تخصصها للمحتاجين. وحذرت مكاتب الأمم المتحدة مراراً من توقف عمل الجمعيات الإغاثية العربية (وعددها 51) العاملة بمخيمات اللاجئين في بيشاور ومنطقتها. وسعت الإدارة الأميركية لتغطية نشاطاتها العدوانية هذه بإعلانها بشكل مشترك مع مسئولين عرب أو مسلمين لتأخذ شكلاً من الصدقية يغطي على بشاعة أوسع حرب على الجمعيات الإنسانية والخيرية في الأزمنة الحديثة، إذ يعتمد وزير الخزانة جون سنو على وجود المستشار عادل الجبير معه، عندما يصنف عشر مؤسسات خيرية في قائمة الإرهاب: مؤسسة الأرض المقدسة، الإغاثة العالمية، الرحمة العالمية (الولايات المتحدة)، فرعان لمؤسسة الحرمين (البوسنة والصومال)، مؤسسة الأقصى (ألمانيا وأوروبا)، مؤسسة الإغاثة الفلسطينية (فرنسا)، جمعية سنابل للإغاثة (لبنان)، انتربال (بريطانيا)، الجمعية الفلسطينية (النمسا)، صندوق الأخطر (باكستان). ويمكن تتبع حالات كثيرة في كتاب محمد بن عبد الله السلومي «ضحايا بريئة للحرب العالمية على الإرهاب» (البيان)، ودراستنا «صرخة قبل الاغتيال».

هناك واقعتان أساسيتان أظهرتا الحجم الكارثي لهذه السياسة المتطرفة والحاقدة تجاه العمل الإنساني الإسلامي: السياسة الجديدة لمنظمات البلدان الشمالية، وزلزال باكستان.

المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان، رئيس المكتب الدولي للجمعيات الإنسانية والخيرية

إقرأ أيضا لـ "هيثم مناع"

العدد 1287 - الأربعاء 15 مارس 2006م الموافق 14 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً