استكمالاً للردود على اسئلة القراء التي تصلني على البريد الإلكتروني أطرح بعض الإجابات...

إن الخطاب الذي أطرحه من محاولات لتصحيح الفكر الديني أو بعض سلوكياته خطاب عام شامل للبحرين وخارج البحرين وليس المقصود منه أفراداً وإنما المفاهيم، فالتعددية الثقافية ليست حكراً، وأنا أؤمن بمقولة رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. ما أطرحه من إشكالات الكثير منه محل جدل في العالم الاسلامي وبين المفكرين. الانسان يجب ألا يتورم أو يحتقن تجاه نقد الأفكار والمفاهيم، والنقد هنا للأفكار وليس الاشخاص. وعالم الافكار ونقدها موجود في كل الساحات الاسلامية. أنا أؤمن بأن لا مقدسات في الحوار. بمعنى لابد من المراجعة والنقد والتصحيح والمساءلة المعرفية لأفكارنا، لبعض العادات الخاطئة. لابد من فتح النوافذ ووضع بعض المفاهيم على المشرحة ونقدها ايجابا او سلبا، فقد احترم المؤسسة او الاشخاص لكن هذا لا يتنافى مع نقد افكارهم لتطوير المجتمع ولمواكبة العصر ولفك قيود العادات التي اسرت الأدمغة في سجون الايديولوجيا وليس الابستمولوجيا التي تعني (نظرية المعرفة). وهذا ما فعله الشيخ مطهري في كتابه الرائع «الملحمة الحسينية» وما طرحه فهمي هويدي في كتابه «التدين المنقوص» وما ركز عليه خالص جلبي في كتابه «النقد الذاتي».

نحن نحتاج إلى تصحيح الخطاب الديني وهذا الهم تناوله عدة علماء وفقهاء ومفكرين منهم مطهري ومحمد اقبال وشمس الدين وهاني فحص وخالص جلبي والغزالي وعلي شريعتي وخاتمي. أتمنى من القارئ البحث عن كتب تتناول هذا الموضوع، منها على سبيل المثال: نقد التضليل العقلي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر للكاتب خليل أحمد خليل وكتاب العودة الى الذات لشريعتي أو كتاب «علي شريعتي وتجديد التفكير الديني» لعبدالرزاق الجبران، دار الامير.

أتمنى من الشباب المسلم انتهاز فرصة معرض الكتاب وشراء كل كتب شريعتي، فهي تذيب جزءاً من شحوم الايديولوجيا وتركز المنهج العقلي النقدي. وكتاب الاسلام والاستبداد السياسي للغزالي، دار القلم. اما الانكشاريون والذين يعانون إخصاء في التسامح فهم بحاجة إلى قراءة كتاب الغزالي «دستور الوحدة الاسلامية» فهو طرح مشروعاً للوحدة بين السنة والشيعة.

أقول: كثير من المسلمين يعانون التخلف على رغم ان القرآن دعا الى التفكير ونبذ التقليد الاعمى على قاعدة «إنا وجدنا آباءنا على أمة». فمالك بن نبي حاول ان يجرجر المسلمين الى حيث التنمية والى إزالة التخلف والافكار الماضوية وعمل عبر عدة مختبرات فكرية وعمليات معرفية لإزالة رمّ التعصب ولم يستطع، فهو القائل: «نحن نعيش على صورة مقلوبة يوم كان الاوروبيون يعالجون السعال الديكي بلبن الحمير، فقدمانا في العام 1425 هجري ولكن رأسنا متوقف في العام 1425 ميلادي».

السؤال: كيف نتعاطى نحن مع الزوجة؟ الكثير يتعاطى على انها بقرة في المنزل بلا حقوق وطيلة فترة عمرها محصورة ما بين الولادة والرضاعة، تبدأ حياتها بقبر الزوجية وتنتهي بقبر وداع العمر. قليل من ينصف زوجته. نتحدث عن التكافل الاجتماعي لكن اكثرنا مستعد لاشهار السيف ضد اخيه في قضية مالية تافهة. نطالب بالديمقراطية إذا اردنا ان ننتقد ونكفر بالحرية لو انا انتقدنا. هذا انفصام ثقافي خطير. الحرية تعني ان نستقبل كل الآراء بروح رياضية من دون وضعها في مفرزات الفرز المجتمعي. احيانا نفكر في اطلاق اللحية اكثر من تفكيرنا في اطلاق الحريات. وحقيقة لا توجد هنالك علاقة بين شدة التدين والعمل الاداري.

أسأل سؤالاً: هل الجهاز الالكتروني اذا اردت ان تفتحه يسألك عن ديانتك او تدينك، أم يطلب منك خبرتك وعلمك؟ يسألك عن مؤهلاتك الذاتية الموضوعية. لهذا ادعو الى استغلال التخصصات للعمل السياسي والاجتماعي. أي قرار سياسي ينزل ببرشوت يسبب احباطات للجميع. عندما انفتحت على بعض الوزارات وجدت بعض المديرين لا يؤمنون بقاعدة «وضع الرجل المناسب في المكان المناسب».

أسأل هنا سؤالاً: هل الاحزاب السياسية في العالم العربي تطبق قاعدة: «وضع الرجل المناسب في المكان المناسب»؟ في حركاتنا واحزابنا مصابون بإشكال التوريث، فالابن يرث أباه والعائلة ترث المؤسسة وهكذا وتلغى قاعدة «الرجل المناسب...». ما نعيبه على النظام العربي نحن نمارسه. كلنا نسب الديكتاتورية ونقول: الدكتاتور صدره يضيق سراعاً بالرأي الآخر وفي الوقت ذاته نحن لا نتحمل رأياً مخملياً ولو من صديق غيور، وكلنا نتكلم عن الخلفاء ورحابة صدرهم (لا خير فيكم ان لم تقولوها و...) و(ومن رأى فيّ اعوجاجاً...).

ونستدل بكلام الإمام علي في الخوارج عندما سئل: (اهم كفار؟ فأجابهم: بل من الكفر فروا) لكن على مستوى التطبيق سرعان ما يتوتر الواحد منا كفهد افريقي لو ناقشته في مسألة. كمسلمين، بحاجة الى نقد بعضنا بعضا (بروح رياضية بعيد عن التفسير التآمري ونظرية المؤامرة) وتصحيح المفاهيم والافكار على قاعدة «فلنتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه».

ادعو الشباب الى تتبع كتب الغزالي والافغاني وشريعتي والكواكبي ليروا الحياة باعتدال وبصورة تقربهم الى ثقافة الحياة والحب والتسامح والاعتدال بدلا من ثقافة الموت والتخشب والتعقيد والتوتر.