العدد 1285 - الإثنين 13 مارس 2006م الموافق 12 صفر 1427هـ

تمكين المرأة ليس مشروعاً تجارياً

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

المجلس الأعلى للمرأة واثق وهو يتخطى العقبات الإدارية والإجرائية والمالية أثناء تنفيذه لدورات تمكين النساء سياسياً، وذلك بتأكيد أن هدفه الأساسي ينحصر في توصيل المرأة إلى مقاعد المجالس البلدية والنيابية. الخبراء والخبيرات الذين تم استجلابهم من الخارج لتنفيذ حملات التدريب وصرفت عليهم آلاف الدنانير يؤكدون ضرورة تعلم الناخب أو الناخبة لـ 53 خطة توكل إلى مدير الحملة الانتخابية للناخب لكي يتمكن من الفوز، إضافة إلى قضايا تقنية متعددة ومتنوعة. برنامج التدريب لتمكين المرأة سياسياً نفسه يهتم بحفز مهارات إدارة الحملات الانتخابية كما يقولون عملياً، وذلك بالتعرف على عناصر الحملة الانتخابية وتقسيم مناطق الدائرة وكيفية جذب أصوات المنتخبين ومناقشتهم وإعداد البحوث الميدانية والتخطيط الاستراتيجي وإعداد جدول التقويم والأهم عملية التواصل مع الناخبين ومعرفة اتجاهات الرأي العام وإعداد البرنامج الانتخابي واللقاءات الجماهيرية وفق خطة زمنية، كذلك معرفة احتياجات المجتمع والتعبير عنها.

وماذا أيضاً؟

أيضاً، لدينا إشادة من المجلس الأعلى للمرأة تنوه بنجاح وفائدة الدورة التدريبية التي سيتم توزيع شهاداتها على من حضرن الدورة بهدف تأكيد حضورهن ومشاركتهن واستفادتهن من التدريب. إلى ذلك، تعتقد مديرة التمكين السياسي بأن ليس كل الحاضرات في البرنامج يرغبن في الترشح، وتشدد في الوقت ذاته على امتلاك الجمعيات الدينية للقاعدة في الساحة البحرينية وبالتالي لديهم المؤهلات والقدرات للانتصار للمرأة وإعطائها الحق السياسي.

حسناً، ومع هذه الرعاية المتناهية التي لا توازيها على ما يبدو أية رعاية تنالها أخواتنا الخليجيات على مستوى التمكين السياسي «اللهم لا حسد»، يحق لنا السؤال: هل الواقع بتفاصيله وحيثياته يعكس صورة ومضمون الخطاب الرسمي والإعلانات والرغبات والطموحات والخطط، أم اننا أمام أحاديث كثيرة وكبيرة في حجمها وأهميتها وصغيرة في فعلها وجديتها للوصول إلى الهدف المحدد سلفا؟

تعتقد كاتبة السطور أن المقاربات والتفكيك يضعنا أمام خطاب وفعل مغترب، يهمس لنفسه لكي يقنع الآخرين بجدوى وفاعلية برنامج التدريب محلياً وخارجياً. وهذا بحد ذاته قضية تحتاج إلى بعد نظر، وبعد النظر لا ريب سيكون مدخلاً للإجابة على أسئلة سبق وأن أثيرت عن جدية تنفيذ برنامج التمكين السياسي للبحرينيات. فالحقائق التي أمامنا لا يحتمل تأجيل الحديث فيها والمكاشفة، لا بل ومساءلة الطرف الرسمي والقائمين بالذات على هذا البرنامج، ولاسيما بشأن صحة ما جاء على لسان بعض المشاركات في دورة التمكين السياسي التدريبية. ولأننا لا نرغب في إبداء التشاؤم واللاموضوعية والتحامل، لنتأمل ونتفكر فيما قيل. تحدثن طبعاً عن بعض الإيجابيات التي أشادت فيها إحدى المشاركات بمبادرة المجلس الأعلى للمرأة بوضع البرنامج وإتاحة فرص المشاركة لمختلف الأطياف السياسية والاتجاهات ومؤسسات المجتمع المدني، فضلاً عن اختيار أماكن متنوعة لتنفيذ البرنامج وتسلسله وتنوع تجارب الدول التي عرضت كمادة تثقيفية وتوعوية.

بيد أن المثير في الوقت ذاته، كان في التعرف على تفاصيل المشهد الآخر من الصورة، إذ ليس شأناً هامشياً يمكن التغاضي عنه حينما تكون مناقشة الوضع السياسي المحلي وعلاقاته المتشابكة وتعقيداته شأناً مسكوتاً عنه في برنامج الدورة، فالبرنامج كما صرحت إحدى المتدربات: «يطالب المتدربات بكسب أصوات الناخبين من دون أن يعلمهن الكيفية التي يكسبن فيها تلك الأصوات، وحث المتدربات على الالتزام وعدم الحديث في الشئون السياسية». ليس أمراً عادياً أن يتم الإصرار على التعاطي والتعامل مع المشاركات على أنهن مستقلات وغير منتميات لتنظيمات سياسية وخصوصاً أن حرية العمل الحزبي متاحة وأقرها القانون. ليس تفصيلاً أن نضيف ما أشارت إليه متدربة أخرى من منع الحديث أو تجاهل التداول بشئون وقضايا تهم المرأة مثل نظام الحصص «الكوتا»، لمجرد أنه يتعارض مع موقف المجلس الأعلى للمرأة، فضلاً عن القضية الدستورية والقانون الانتخابي وما شابه من قضايا خلافية وحية ترزق. وأخيراً ما ذكر بشأن انعدام التجانس بين قدرات ومهارات وخبرة وتجارب المشاركات أنفسهن في الدورة، ما أدى إلى انسحابات تم تأكيدها والاعتراف بها من قبل القائمين على تنفيذ البرنامج، يضاف إليه إهمال واضح لدور مؤسسات المجتمع المدني بكل قطاعاتها العمالية والنسائية والمهنية. دورهم في ماذا؟ في تمكين المرأة سياسياً وتوصيلها إلى مواقع صنع القرار!

كل ذلك حدث على رغم الأحاديث الإعلامية الجارية بشأن تمكين المرأة سياسياً. نقر بأن إشاراتنا السابقة ليست برئية، لماذا؟ لأننا على قناعة بأن التمكين السياسي للمرأة بحاجة إلى علاقة شراكة حقيقية تعتمد على المساندة والتضامن وتبادل الأدوار ما بين الرسمي والأهلي، وهذه مع الأسف مفقودة، وإن وجدت فهي مشوهة وتسودها علاقة فوقية وتلقينية لا تسمن ولا تولاد أو تعيد إنتاج مجتمع حي. هذا الوضع بدوره يستوجب على الطرف الرسمي توسيع مساحة وهامش الحرية والديمقراطية والمرونة وإدراك حقيقة غائبة عن البال، وتؤكدها «أماني قنديل» في دراسة لها: «أن مؤسسات المجتمع المدني تقوم بدور أساسي في تمكين المرأة في إطار من المبادئ والأهداف وأنماط الأنشطة وإعلانات ومواثيق حقوق الإنسان ومقررات مؤتمر بكين، اتفاق السيداو وغيرها».

ماذا يعني ذلك؟

يعني كل ذلك، اعتراف صريح بدور المرأة، وانها عنصر فاعل في المجتمع وبالتالي لابد من توسيع خياراتها. وهذا لا يكون إلا ببناء الوعي والقدرات والمعرفة والاتجاهات الإيجابية وزيادة نسبة مشاركة النساء السياسية وتمثيلها الذي يتطلب تبني نظام «الكوتا»، والتأهيل السياسي والتوعية للنساء، لا حجر الحديث في الشئون السياسية، كذلك التواصل مع البرلمان والأحزاب والقضايا الساخنة في المجتمع. فالتمكين السياسي ليس حاجة وضرورة وقتية تستدعيها مثلاً زوبعة الانتخابات البلدية أو التشريعية، إنما هي استراتيجية تنموية شاملة تستوجب الجدية والإيمان الفعلي بفلسفة التمكين والشفافية في معايير وضع المرأة في مواقع صنع القرار.

بحق... التمكين السياسي ليس مشروعاً تجارياً كما يخال البعض!

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1285 - الإثنين 13 مارس 2006م الموافق 12 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً