منذ بداية عهد الإصلاح ونحن نقرأ ونسمع عن طموحات وآمال أبناء هذا الوطن الطيب، وتمر الأعوام سراعاً وفي كل عام يحدونا أمل جديد.
ومنذ إعادة المجلس الوطني، فماذا يا ترى جنينا من ثمار الأعوام السابقة، وماذا تحقق من نتائج إيجابية في حياة الفرد والمجتمع؟
ومن الإجحاف في حق صانعي القرار في بعض الأجهزة والمؤسسات الحكومية القول إنه ليس هناك شيء يذكر من التطوير والتغيير في أداء الوزارات، ولكن ما مدى فاعلية ما تم تحقيقه مقارنة بما هو مطلوب وبحجم المبالغ التي رصدت وصرفت عليها من الموازنة العامة؟
إن برنامج الإصلاح يتطلب عوامل مساعدة تمكنه من تحقيق الأهداف المرجوة، ومن أهمها كفاءة الأجهزة والمؤسسات الحكومية وفعالية الأداء لأنشطتها والعاملين على تنفيذها لكي تواكب متطلبات الإصلاح والتنمية الشاملة. وموضوع التطوير الإداري ورفع كفاءة الأداء والإنتاجية في القطاع الحكومي له عدد من الجوانب المهمة، ومن بينها أهمية التخطيط الاستراتيجي من قبل جميع الأجهزة الحكومية وتحديد الأولويات ووضع البرامج والخطط الوطنية التي توجه نحو تلبية احتياجات الفرد والمجتمع، وكذلك الحاجة إلى إنشاء هيئة أو جهاز مركزي للتخطيط.
كما أن الموازنة العامة وضرورة تطويرها لتصبح أداة قياس لفاعلية البرامج والأنشطة الحكومية بدلاً من الموازنة التقليدية التي تعيد رصد مبالغ السنوات السابقة مع نسبة زيادة أو خفض من دون تقييم ما تحققه تلك المبالغ من أهداف ونتائج. ومازلنا في انتظار تطبيق موازنة البرامج والأداء. وفي نهاية كل عام مالي يتم تقييم مدى فعالية الأداء من قبل الوزارة المعنية ووزارة المالية وديوان الرقابة المالية لمعرفة ما تم تحقيقه من نتائج ضمن الأهداف المرسومة.
أهمية تطوير عملية التعيين في المناصب القيادية العليا في قطاع الإدارة العامة التي تعنى بوضع السياسات والخطط الوطنية وتقييم أهلية المرشحين للمناصب من قبل المجلس الوطني، إذ يمثل المرشح أمام اللجان المختصة لتقديم سيرته الذاتية والتصويت على تعيينه بالموافقة أو عدمها، وهذا أسلوب متبع في الكثير من الدول التي تتبع منهجاً ديمقراطياً ينص على مبدأ الاختيار الأمثل للكادر الذي تسند إليه مهمات ومسئوليات تتعلق بمصير المواطنين ومستقبل الأجيال.
أهمية تطبيق مبدأ التنمية المستدامة (البيئية) التي تركز على مفهوم الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية الوطنية وعدم استنزافها بطريقة تحرم الأجيال القادمة من حقها فيها كالزحف الجائر على شواطئنا ومواردنا الأخرى، وعن أهمية استغلال مواردنا النفطية للاستثمار في العنصر البشري، وهو أهم موارد التنمية في هذه الفترة التي ارتفعت فيها أسعار النفط إلى مستويات قياسية غير مسبوقة تفوق الستين دولاراً للبرميل.
فيجب استغلال هذه الطفرة المؤقتة في تنمية مواردنا البشرية والصرف على خطط وبرامج توفر سبل العيش الكريم للمواطن لتخفيف معاناته لكي يعيش حياة كريمة تهيئ له المناخ الذي يمكّنه من المساهمة الفعالة في بناء مستقبل أبنائه ومجتمعه ووطنه.
الحاجة الملحة إلى الرقي بمستوى الأداء في الوزارات المعنية بالخدمات الأساسية كوزارة التربية ومعالجة مخرجات التعليم التي لا تجد لتوظيفها سبيلاً، ووزارة الإسكان وسنوات الانتظار الطويلة للحصول على منزل أو قرض سكني، ووزارة الصحة وتدني أداء الخدمات الطبية وتعيين الأطباء في مناصب اتخاذ القرار ولم يسبق لهم أن تلقوا تعليماً أكاديمياً في مجال تخطيط وإدارة الخدمات الصحية.
الحاجة إلى رفع مستوى الأداء لا تستثني المجلس الوطني بفرعيه المعين والمنتخب والذي يفتقر إلى وضع خطة لكل فترة انعقاد تتضمن مشروعات لقوانين وتشريعات ضمن أولويات تعنى بالشئون المحلية والخارجية ضمن خطة تشريعية طويلة المدى بدلاً من الوضع الحالي الذي ينتظر حدوث مشكلة ما أو تردي وضع ما ثم نأتي لمعالجته بسن قوانين وتشريعات تبنى على أساس رد الفعل بدلاً من التخطيط التشريعي الذي يبنى على دراسة لاحتياجات المواطن والمجتمع، ناهيك عن الازدواجية بين المجلسين والتأخير وإضاعة الكثير من الجهد والوقت والموارد المالية في رحلات مكوكية بين مجلسي الشورى والنواب، ما دعا الكثير إلى التساؤل: هل هناك حاجة إلى مجلس الشورى، في ظل وجود مجلس النواب؟
لا شك أن هناك نتائج إيجابية ولكنها تسير بخطى حثيثة وبعضها يتعثر ويبقى جامداً إلى أن يُنسى. إن عملية التطوير والإصلاح والتنمية الشاملة تحتاج إلى أجهزة حكومية ومؤسسات فاعلة تحاسب نفسها قبل أن يحاسبها المجتمع، وتعلن نتائج أدائها بشفافية ووضوح قبل أن تُسأل عنها.
همومنا كثيرة، ولكن لا نريد تقديم نظرة متشائمة عن مستقبل الأداء الحكومي في مملكتنا، بل نأمل أن نقدم نظرة متفائلة تناشد القائمين على صنع القرار في الإدارة العامة وكل من تهمه مصلحة هذا الوطن الطيب أن يولوا جُلّ اهتمامهم لعملية تطوير الأداء الحكومي والخدمات العامة، متمنين أن يكون العام 2006 عاماً متميزاً يبشر بثمار أطيب من جني الأعوام السابقة، لكي لا يكون مجرد عام آخر
العدد 1281 - الخميس 09 مارس 2006م الموافق 08 صفر 1427هـ