فجع المسلمون بالاعتداء الآثم على مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، الذي كشف عن بعد مرتكبيه عن كل القيم الإنسانية ووجود انحراف فكري عميق، فهي جماعات إرهابية متطرفة تشربت الحقد ودأبت على بث الفتنة والفرقة بين أبناء الأمة الإسلامية باسم الدين وحمايته، واعتادت على أن تقتات على دماء المسلمين وهتك حرمة مقدساتهم الدينية.
إن حادثة نسف مرقد الإمامين العسكريين (ع) إنما أقدمت عليها أيد آثمة هي نفسها لم تتردد في ضرب مرقد الإمام علي (ع) في النجف الأشرف، وأدى إلى استشهاد جموع من المؤمنين وعلى رأسهم الشهيد السيدمحمد باقر الحكيم (ره)، فهؤلاء فئة تكفيرية ضالة اعتمدت التطرف والاعتداء على جماعات لم تقترف ذنباً سوى اتخاذ مدرسة أهل البيت مرجعية لهم، وهم مهبط الوحي وبيت النبوة وامتداد لسلالة ونور النبي الأكرم.
ولا يسع المراقب للساحة العراقية منذ سقوط نظام الطاغية وتوالي مسلسل العنف الداخلي إلا أن يثني على ما أبدته المرجعية الشيعية من حكمة وضبط للنفس أمام الاعتداءات السافرة على الأرواح والمقدسات، فقد كانت المرجعية صمام أمان دأبت على توجيه الجمهور إلى التحلي بالصبر وعدم مقابلة العنف الموجهة ضده بموجة مضادة والاقتصاص من أبناء الطوائف الأخرى، فقد أعلن السيد السيستاني إلى جميع الإطراف بأن هناك من أبناء الأمة من هو قادر على حماية المقدسات، معلناً عدم الاستعداد لتحمل المزيد من الاعتداءات على المراقد المقدسة، في الوقت الذي وجه الجميع لإعلان الاستنكار بالوسائل المشروعة والسلمية والحضارية، مبدياً بذلك السماحة التي يتزين بها الدين الإسلامي. وبذلك حقنت المرجعية المزيد من الدماء، وحالت دون تحوّل الساحة العراقية إلى ساحة تناحر وحرب أهلية تحرق الأخضر واليابس، الخاسر فيها أبناء العراق من مختلف المذاهب الكريمة.
وبتقصي الوقائع لمعرفة مصادر العنف والتطرف ومن يقف خلفها، يبدو واضحاً اضطلاع أميركا وعناصر الموساد فيما يحاك ويحدث، ولا يجب أن نخشى من توجيه أصابع الاتهام والاستنكار إليهما، فأميركا منذ أن وطأت الأراضي العراقية اتبعت سياسات انتقائية ومزدوجة في توجيه الأطياف المختلفة على الساحة بما يحفظ مصالحها الخاصة ويعزز وجودها في المنطقة، بل ويكسبها الغطاء الشرعي لاستمرار وجودها وتعزيز قواتها ومعسكراتها في المنطقة والهيمنة على مواردها الطبيعية، غير متجاهلين دور حليفتها الصهيونية «إسرائيل»، التي تحمل حقداً دفيناً ضد الدين الإسلامي، ووجدت منافذ تتغلغل من خلالها لبث سمومها في العراق وتحقيق حلمها التاريخي بتكوين الدولة التي تمتد من النيل إلى الفرات.
إن أميركا ضربت بعرض الحائط الشعارات البراقة التي دخلت تحت ستارها الأراضي العراقية، ودغدغت المشاعر بها، كإرساء الديمقراطية والعدالة واعتماد المساواة واحترام حقوق الإنسان والتمتع بالأمن في الوطن، فلم تحقق منها أميركا الشيء الكثير. ويبدو واضحاً للعيان أنها أخفقت إخفاقاً ذريعاً في تحقيق أي من وعودها، بل إنها أفسحت الطريق لعمل الجماعات التكفيرية المتطرفة المنتمية إلى الزرقاوي والقاعدة بطريق غير مباشر، ووقفت تتفرج على مشاهد العنف ضد أبناء العراق. ويبرر البعض مواقف أميركا وحليفتها «إسرائيل» بأنها في ظل التعددية الدينية والعرقية في العراق وضمن افرازات الحراك السياسي النشط واستحقاقات الغالبية الشيعية فهناك خشية من تنامي النفوذ الشيعي ليس في العراق فحسب بل في المنطقة برمتها، وهذا يبرر مناصرة ومساندة أميركا لقوى مناوئة تعمل على إضعاف هذا النفوذ، مهما أدى ذلك إلى إهدار دماء الأبرياء وحرمة الأماكن المقدسة ودور العبادة، ولا يستبعد أن تحصد نتاج ما زرعته من بذور الفتنه الطائفية معجلة بذلك نهاية وجودها في المنطقة.
والرد المنطقي المستوحى من واقع تجربة العمل السياسي القائم على الاحتكام إلى صناديق الاقتراع واحترام رغبة الشعب في العراق، هو أن الغالبية الشيعية لم تنتهج مبدأ الإقصاء، بل عمدت إلى التشاور مع جميع الأطراف بما يضمن مشاركة الجميع، حرصاً على المصلحة الوطنية وسعياً لإقامة حكومة وطنية موحدة تحفظ استقرار وأمن الوطن والمواطن.
وعلى رغم المعاناة اليومية المريرة لأبناء العراق فإنه تقع على كاهلهم مسئولية التعامل بالحكمة مع المستجدات التي تنال مشاعرهم بقوة، فعليهم التعايش السلمي مع بعضهم، والحفاظ على أمنهم الوطني واحترام المعتقدات والمقدسات الدينية المختلفة وصد المحاولات التي تعمل على ضرب وحدتهم الوطنية وبث بذور الفرقة الطائفية.
العدد 1281 - الخميس 09 مارس 2006م الموافق 08 صفر 1427هـ