أولاً: ثمة تهاون في تموضع «العمود الصحافي» في صحافتنا البحرينية، ويبدي الكثير من الأكاديميين الإعلاميين استغرابهم لتزايد ظاهرة «العمود الصحافي» لدينا. وعادة، لا تخصص الصحف أعمدة ثابتة إلا لكبار الصحافيين خبرة، وتجربة، وربما عمراً، وتتطلب كتابة العمود الصحافي «حرفية خاصة»، يطول شرحها.
كنت صرحت لأكثر من زميل من جيلنا الجديد أنه لابد أن يتم اختراق مجال الأعمدة الثابتة، وصولاً إلى سحب البساط عن بعض الأسماء التاريخية «الفارغة»، وإنهاء أسطورة عمالقة «أعمدة الرأي» البحرينية. وصولاً نحو تجربة أكثر هدوءا ومهنية، يصعد فيها من يصعد، ويهبط من يهبط غير مأسوف عليه.
ثانياً: «المال سيد مطاع»، وليس الصحافي هو «البطل المعجزة» في تحطيم هذه الفرضية، ولا أخفيكم سراً أن رواتب الصحافيين أصبحت مريضة «بالتخمة»، ولازدياد الدخل تبعات نعرفها، وأثمان لابد أن تبذل. ببساطة، سوق الصحافة اليوم، تضاهي دعوات «غسيل الأموال»، التي تصلكم دعواتها عبر الرسائل البريدية كل يوم.
«هل نسيت كم تتقاضى، 2000 - 3000 دينار كلفة 250 كلمة كل يوم، احترم نفسك، وصحح كتاباتك، وإلا...»، الصحافي الذي يسمع هذه الكلمات من رئيس تحرير صحيفة ما، ويدرك أنه ليس «هيكل»، أو «سمير عطا الله»، أو حتى «جهاد الخازن» سيكون مجبراً على احترام نفسه، وكتابة ما يريد منه صاحب هذه العطايا من دون جدال.
في صحافة أعمدة الرأي، لكل «عمود» ثمن، ولكل «ثمن» عمود، في الصورة الأولى ثمة عمود صحافي يخضع لما يسمى بـ «صحافة الرأي»، أما في الصورة الثانية، فالأمر في حقيقته لا يزيد عن «شراء قلم» ينتج رأياً مدفوع الثمن. ولأننا كصحافيين نلعب داخل هذه اللعبة، وندرك ما يكتبه الصحافيون «العواجيز» عن قناعاتهم، وما يعبر عن قناعات جيوبهم، فإني أعلن - كالأبطال - أني لا احترم حاضر هؤلاء الزملاء ولا تاريخهم، ولا احترم حتى ما كانوا قدموه للبحرين في السبعينات أو بعدها، وعلى أية حال، ماذا قدموا آنذاك؟!
ولا أمانع البتة في قيام حد فاصل بين كتاب الأعمدة «الخرفة» وبين الصحافيين البحرينيين الذين لما تشترى أقلامهم، ولكي لا أخضع لهوس ادعاءات الطهارة والنقاء، اقترح أن يحدد لنا جميعاً كصحافيين - لم نشتر لساعة كتابة هذا المقال - «سعر ابتدائي» قبل التداول في بورصة الأسهم البحرينية، ولا ضرر في أن تطرح الأسهم للاكتتاب في المصارف البحرينية. أراهن أن انتعاشاً اقتصادياً ستشهده البحرين.
رابعاً: هل لي في أن أبدأ الدعوة لميثاق شرف جديد للصحافيين؟ الجواب: «لا». فالمواثيق لدينا «مضيعة وقت»
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1279 - الثلثاء 07 مارس 2006م الموافق 06 صفر 1427هـ