أظهرت إحصاءات حديثة أن العمالة الوافدة بدول مجلس التعاون الخليجي لاتزال في تزايد مستمر خلال السنوات الماضية، إذ تقدر بنحو 10 ملايين عامل، وتتراوح نسبتها في بعض دول الخليج ما بين 60 الى 80 في المئة من اجمالي قوى العمل. كما تظهر هذه الإحصاءات التزايد الحاد في حجم التحويلات المالية للعمالة الاجنبية التي تخرج من دول المجلس سنويا، إذ قفزت خلال الأعوام 1999 - 2004 من 15,3 مليار دولار إلى 30 ملياراً ، وفقا للاحصاءات الرسمية. الا أن هذا الرقم سيرتفع بشكل أكبر اذا ما أخذ في الاعتبار التحويلات التي تتم مباشرة من دون أن تمر بأي من القنوات الرسمية، ما يشكل استنزافاً دائماً لموارد التنمية بدول المجلس.
ولاشك أن أحد أسباب زيادة اعداد العمالة الوافدة في معظم دول الخليج هو عزوف العمالة الوطنية عن العمل في بعض المهن ، كما ان بعض الدول الآسيوية كثيفة السكان تشجع رعاياها على الهجرة لدول الخليج لأن مدخراتهم وتحويلاتهم تعتبر مصدرا مهما وحيويا من مصادر الدخل القومي لهذه الدول بالاضافة الى زيادة عمليات التسرب والوجود غير الشرعي للعمالة الآسيوية داخل أسواق العمل الخليجية واستمرار وجود اعداد كبيرة من العمال الآسيويين داخل اسواق العمل على رغم انتهاء المشروعات التي كانوا يعملون لديها.
ان زيادة الاعتماد على العمالة الوافدة له الكثير من الآثار السلبية على جميع مناحي الحياة في دول الخليج العربي فالآثار السلبية في المجال الاقتصادي تشمل تضخم الموازنات المخصصة للانفاق الحكومي على الخدمات مثل الصحة والتعليم والامن والاسكان والمواصلات والمياه والكهرباء، إذ تستفيد العمالة الوافدة أكثر من المواطنين انفسهم.
كما ادت انماط الاستهلاك المتنوعة للعمالة الوافدة إلى زيادة عدد المنشآت التي تلبي احتياجاتها وبالتالي تضاعف اعداد العمال الوافدين للعمل في هذه المنشآت وترتب على زيادة اعدادهم إلى عجز الموازنة التجارية للدول الخليجية المستقبلة للعمالة بسبب التوسع في عمليات الاستيراد من الخارج بالاضافة الى زيادة حصص التحويلات النقدية من الدول الخليجية الى البلدان الآسيوية المصدرة للعمالة التي تمثل استنزافا مستمر للموارد الاقتصادية التي كان من الممكن اعادة استثمارها لو انها كانت تذهب الى دول عربية أخرى. كما تسببت زيادة اعداد العمال الوافدين الى انتشار البطالة بينهم وخصوصاً اذا كان استقدامهم يتم في شركات وهمية من دون وجود حاجة فعلية لهم او استمرار وجودهم داخل سوق العمل بعد انتهاء تعاقداتهم ولجوئهم إلى بعض الاعمال الهامشية.
اما الآثار السلبية للعمالة الوافدة في المجال الاجتماعي فانها تتضمن انخفاض نسبة السكان الوطنيين الى نسبة الحجم الكلي للسكان داخل الدولة ما يؤثر على هوية المواطنين الاصليين، كما ان تصادم وتصارع حضارات العمالة الآسيوية يؤثر على الحضارة العربية وانتشار لهجات ولغات ومصطلحات جديدة داخل المجتمعات العربية نتيجة لزيادة اعداد الوافدين. ان جميع هذه الآثار بحاجة إلى رؤية جدية ومنهجية تأخذ في الاعتبار الحاجة الحقيقية - وليس القائمة على المتاجرة في العمالة الرخيصة - مع التعامل مع هذه الآثار بما يحافظ على مصالح المجتمعات الخليجية اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1273 - الأربعاء 01 مارس 2006م الموافق 30 محرم 1427هـ