ليس بالضرورة، أن نعود للتاريخ، فالتاريخ - رغما عنا - يعود بنا إلى مناطق محددة كأننا نعرفها وندرك تفاصيلها بدقة، فنحن أمة يغريها «التورط» أكثر من أي شيء آخر.
أحالت «الروم» ملف «الفرس» إلى مجلس الحرب الدولي، والحرب بين الفرس والروم سرد تاريخي لا ينتهي. لا الروم ينهون إمبراطورية الفرس، ولا الفرس قادرون على إسقاط روما، وبين صراع العمالقة، يبقى «الغساسنة» و«المناذرة» من العرب «ممالك» تختبر حظوظها في حرب الإمبراطوريتين.
«مناذرة» العرب لا يبشرون شاه الفرس «نجاد» بالخير، فسورية وحزب الله أضعف من أن يعادلوا كفة «الغساسنة» حلفاء الرومان الأشاوس في شتى الدول العربية. فعلى «نجاد» الفرس تدور الدوائر، وكل الخوف أن يعيد التاريخ نفسه، فتطحن فيلة فارس رأس أحد رؤساء دول المناذرة، أو أن تتسبب في هذا على الأقل.
العرب فيما بين الخطرين، مجرد دمى للتسلية، أو أسلحة تجريبية، أو في أفضل التأويلات الخرفة «جند المعركة» الأماميين. وفي موازين القوى، لا يحتاج الروم إلى بذل الكثير من الجهد في حربهم المقبلة، إلا أن الفرس وعبر طقوسهم القومية أثبتوا أنهم ليسوا على الأقل «مناذرة» أو «غساسنة»، فلحومهم مرة، ولا تنقصهم الفطنة والسياسة.
ظروف هذه المعركة «مختلفة»، جرت العادة ان تكون الأراضي العربية «مسرح الموت» إلا أن الروم هذه المرة يحيطون بالفرس من كل صوب، وإن لم تخب التحاليل الخلدونية فإن المعركة «هوائية» الطابع، ويدفع العرب - وحدهم - ثمنها على الأرض.
الذي يبعث على الشؤم، أن «المناذرة» لا يمتلكون الضفة الغربية المحاذية لفارس، والغساسنة عاصمتهم اليوم هي بغداد، أي على بعد لحظات من فارس، وكل من الأطراف المتنازعة يمسك بحليف الآخر ويعمل فيه أدوات التخريب. العرب هم «الفرس الأسود»، كل يهدد عاصمة حليف الآخر، بالجند تارة، وبالعسس الليلي/ المخابرات تارة أخرى.
ما بين «طهران» الفارسية المتدينة، و«واشنطن» الرومية المتدينة أيضاً، خصائص متشابهة، تجمع بينهما مفارقات نعتقدها اختلافاً وعدائية، ليست الحرب على الأبواب، هي مجرد «نكتة» سياسية، وعلى «دمشق» و«بغداد» تدور دوائر السياسة، وللعرب إرثهم التليد في سياق هذه الحروب هماً وغماً وتسلية.
«الفرس» يحملون الكثير من المفاجآت، إلا أنها مفاجآت «سلام»! فالحرب لا يعلن عنها إلا للحصول على سلام مأمول، و«الفرس» يجيدون التعامل مع هذه الأوضاع المقلقة. الذي نتمناه، هو أن يكون «نجاد» فارسياً تاريخياً، وألا يقلب المعادلات، فالحقيقة أن «فارس» لن تسقط البتة، وتكون «دمشق» أو «بيروت» عوضاً «كبش فداء»
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1272 - الثلثاء 28 فبراير 2006م الموافق 29 محرم 1427هـ