«إن القانون الاجتماعي الأساسي الذي يحكم الاحزاب السياسية بشكل محتم، يمكن أن يصاغ بأبسط تعبير: المنظمة هي المصدر الذي تولد منه سيطرة المنتخبين على الناخبين، والموكلين على الموكلين، والمنتدبين على من انتدبهم...».
روبيرتو ميشلز 1876 - 1936م
عرض روبيرتو ميشلز بحث «الاحزاب السياسية» في العام 1903 ضمن أدبياته التي صاغها من وحي تجربته الميدانية في عدد من التنظيمات السياسية بداية القرن العشرين. وقد كشف عن تجربة شخصية مضافاً إليها تحليلاً موضوعياً نابعاً من فهم اجتماعي لطبيعة الإنسان في جانبه السياسي والاجتماعي. ميشلز عاصر العالم الاجتماعي ماكس فيبر 1864 - 1920م وحظي بدعمه، وقدم صورة للاحزاب السياسية تثير تساؤلات حول ما قد يمر علي جمعية الوفاق باعتبارها حزباً سياسياً من دون مسمى الحزب .
بالعودة إلى تاريخ البحرين نجد أن السجون في عقود القرن الماضي، ضمت وجبات من الحزبيين كما يرى الحزبيون أنفسهم أو كما اتهمتهم السلطة آنذاك مثل حزب الدعوة الإسلامية أو الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين أو حزب الله.
وفي بداية القرن الحالي نشأ أول مشروع حزبي ممارس ومشروع بحسب قوانين الدولة عندما أقدمت الجماعات السياسية بتنظيم صفوفها بحسب هيكلية تنظيمية.
جمعية الوفاق قضت أربع سنوات كاملة منذ أن تأسست في العام 2001 بتشكيلتها السياسية القائمة على أساس قوانين جمعية نفع عام تتشكل على أساس انتخاب مجلس إدارة، انتخاباً حراً مباشراً من قبل جمعيتها العمومية. يتشكل داخلياً بانتخاب رئيس ونائب رئيس وأمين سر وأمين مالي ورؤساء لجان، كما يقوم بتشكيل لجان عمل تسعى لتنفيذ وتحقيق البرامج التي يتطلع إليها أعضاء الجمعية العمومية، وذلك على غرار الجمعيات السياسية الأخرى المكونة للمنظومة السياسية في جغرافية المملكة.
وفي العام 2003 استحدثت الكوادر الوفاقية مجلساً استشارياً معيناً مكونا من ثلاثين عضوا مهمته تقديم المشورة القائمة اساسا على خبرة اعضائه الذين هم في الأصل أعضاء رسميون في جمعية الوفاق.
وفي العامين 2005 - 2006 وبعد انتهاء السنوات الأربع الأولى من عمر الوفاق، تقرر أن تقفز الوفاق «الجمعية» الى الوفاق «الحزب» لتحدث نقلة على المستوى الشكلي سياسياً على الأقل في الوقت الحالي في ضمن المنظومة السياسية ذات المكونات المتنوعة أيديولوجياً وتنظيمياً وعلى مستوى الثقل السياسي والاجتماعي في المملكة، الأمر الذي يكسبها بحسب الفهم السياسي مكانة مغايرة لما تكتسية في ظل عنوان الجمعية. فقفزت الى أفق الحزب السياسي الذي يمنح الصفات والملامح والافاق والمساحات والاطر والأساليب والآليات الملائمة للتجمعات السياسية المتعنونة بعنوان الحزب.
وكانت أول «انتخابات حزبية» للوفاق في 19 يناير/ كانون الثاني 2006م تنافس على مقاعد مجلس شورى الوفاق الثلاثين ستون عضواً ينتمي غالبيتهم الى ثلاث قوائم والباقون مستقلون، كما تنافس علي مقاعد هيئة التحكيم الخمسة ستة متنافسين مستقلين، وكان منصبي الأمين العام ونائبة بالتزكية لكل من الشيخ على سلمان والشيخ حسين الديهي.
وعلى هذا فان حزب الوفاق هيكلياً يتمثل في أمين عام ونائب أمين عام وأعضاء الأمانة العامة الذين يختارهم الأمين العام وهم في الموقع التنفيذي لعمل وبرامج الحزب في العمل السياسي والاجتماعي في المستقبل المنظور، وأعضاء هيئة التحكيم تناط بهم مهمات فصل الخصومات وفض النزاعات وانزال العقوبة بمن يخالف قوانين ولوائح الحزب. اما أعضاء «مجلس شورى الوفاق»، فهم مركز صنع القرر وصوغ السياسة العامة وتحديد البرامج والخطط الاستراتيجية للحزب والمصادقة على كل ما ينبثق عن الأمانة العامة وهو بهذا يعمل كما تعمل البرلمانات في الأنظمة السياسية القائمة على أساس العمل البرلماني المنتخب.
وبهذا فإن «حزب الوفاق» أصبح أمراً واقعاً وحقيقة - كما هو حال الاحزاب الأخري - على الأرض يفرض وجوده وبرامجة واستحقاقاته ومعطياته من خلال ما يترشح عن مستوى الأداء الحزبي على الصعيدين السياسي والاجتماعي في الاتجاهات الافقية والعمودية للحراك القائم. وهو بهذا سابقة على مسرح العمل السياسي في البحرين، وقد جاء هذا المخرج افرازاً طبيعياً وسليماً لطبيعة تسلسل ثنائية النشوء والارتقاء في العمل السياسي والاجتماعي.
اولكن اسئلة عدة تطرح نفسها، منها:
- هل ان تجربة الوفاق الحزبية استمراراً لممارسة حزبية سرية تحولت الى علنية ام انها تجربة جديدة تكتسب خبرتها بشكل متزامن مع الممارسة الجديدة للعمل الحزبي غير المسبوق؟
- هل التجربة صورة مستنسخة من تجربة حزبية أخرى... ام ان لها خصوصيتها واستقلاليتها في التنظير والممارسة؟
- هل تحظى بعوامل نجاح أو تواجه عوائق... تساهم في بطء نجاحها أم ان كوامن الاخفاق والفشل مستفحلة أصلاً؟
- التحول من جمعية الى حزب هل يتعدى مستوى الشكليات ام انه فعلاً تحول جذري ستثبته الوقائع القادمة؟
- ما مدى قدرة الحزب على التوفيق بين تطلعات الجماهير لاداء الحزب، وبين تقييم الجماهير لاداء الحزب الذي ربما يكون قاسياً بعد مرور فسحة زمنية، بالكاد يمارس الحزب فيها دور الاعداد والترتيب الداخلي لتأسيس بنية حزبية فاعلة، بمعنى آخر، هل ان ثقافة الجماهير الحزبية تتناسب مع ضرورة التعاطي الموضوعي مع أداء حزب حديث النشوء، والذي يمر بمرحلة البناء الاساس؟
- ما أهداف الحزب، هل مازالت كما كانت في حال كونه جمعية ام انها توسعت بما تتناسب مع الأهداف التي تفرضها طبيعة الاحزاب؟
ان الاستحقاقات التي يتمتع بها الحزب تعتمد في الاساس على قدرة الحزب على محاكاة الواقع السياسي القائم بمجموع مقومات الدائرة الاوسع للمجتمع السياسي ومن خلال المنظومة السياسية المتكونة من النظام السياسي ذاته ومشتملاً على مؤسسات المجتمع السياسية والدينية والعلمية والاقتصادية والتنموية والحقوقية والاعلامية وغيرها. وبمعنى آخر يمكن القول ان نجاح الحزب في تمرير برامجه لتحقيق أهدافه مرهوناً ليس فقط بالقدرة الذاتية للحزب على تحقيق النجاح، وإنما عنصر المحيط يعتبر رقماً صعباً في معادلة النجاح أو الفشل، وبهذا فانه يتعين على الحزب العمل على تأهيل عناصر المنظومة السياسية بكل مكوناتها للعمل على توحيد المسارات وتقريبها وتنشيط فعل التحالفات وتبادل المصالح على صعيد تطورات المشهد السياسي.
أن «الوفاق» حزب «جماهير» وليس حزب «كوادر» وهو حزب قائم على اساس تطلع الجماهير لحلحلة ملفات ساخنة أخذت على عاتقها الوفاق «الجمعية» كما أخذ على عاتقه الوفاق «الحزب» كما جاء في خطاب الامين العام لحزب الوفاق عشية العاشر من المحرم. هذه البداية سهلة ومتواضعة بحسب تقديري ، إذا ما قورنت بما يقع على الاحزاب السياسية في طول خط عملها السياسي المحترف في المفهوم السياسي، وهو السعي للمشاركة السياسية الجادة والفاعلة من خلال موقعها كحزب معارض او كحزب يمارس صنع قرار إدارة شئون الدولة.
كاتب بحرين
إقرأ أيضا لـ "هادي الموسوي"العدد 1270 - الأحد 26 فبراير 2006م الموافق 27 محرم 1427هـ