لعن الله من أيقظ نار الطائفية في بلدنا، فإنها لم تعلن في كتاب الكاتب المصري عباس محمود العقاد «الحسين سيد الشهداء»، ولم تعلن في مسرحية الشاعر عبدالرحمن الشرقاوي «الحسين ثائراً وشهيداً»، ولم تعلن في مقولة غاندي الخالدة: «تعلّمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر»، ولا اتخذتها الأوساط الأدبية والثقافية مذكاة لنار الفتنة، بل على العكس من ذلك... كانت نبراساً منيراً يهدي إلى سبل الحرية والانتفاض على الباطل.
لم يكن الحسين (ع) في وجدان الإنسانية إلاّ النموذج الأسمى للتضحية والفداء، ولم يكن يزيد إلاّ نموذج الشر. فالقضية كانت بين فريقين: فريق يمثل قوى الخير، وآخر يمثل قوى الشر، ولم يرتبط هذا بطائفة بعينها.
على أن هناك فئة ضئيلة في مسار التاريخ، ولها امتداداتها الفكرية والنفسية، تعتبر ثورة الحسين فتنة. أقول «فئة» وأؤكد عليها، فهي ليست طائفة، ولربما تطاولت اليوم لممارسة هذا الدور الآن وفق عمل منظم، ساعية لتبديد تلك الهالة القدسية التي يحيا في ظلالها الناس في أيام عاشوراء.
ولم يكن المسلمون الشيعة وحدهم من يحتفلون بهذه المناسبة، بل هناك طوائف أخرى من المسلمين يشاركونهم في الإحياء، فيحضرون مآتم العزاء ويحتفلون معهم ويقدّمون المساهمات والتبرعات كما يحدث في بلادنا، بل إن بعضهم يمتعض حين يسمع أن الإمام الحسين للشيعة فقط. وأكاد أعتقد جازماً أن مثيري البلبلة الأخيرة يعرفون أن تلك العناوين لا ترمي إلى ما يحاولون جرّ الناس إليه، ولكنها انتهاز للفرص من حين إلى آخر، وسعي إلى تقويض هذه المناسبات الدينية، مرةً بالسعي إلى الاقتصار على أن تكون التعزية داخل المآتم ليقلل من القيمة الإعلانية التي كانت لهذه الثورة، وهذه المرة يسعى بعضهم إلى توجيه العبارات التي تكتب أيام عاشوراء منذ سنوات وألفها الناس، ولم تكن مدعاة لتأجيج نار الطائفية قط. وما سمعنا أن الشيعة جمعت أمرها لمغالبة السنة، ولا السنة لاح بخاطرها ما يبغي الرجل نفسه ترسيخه في عقول الناس وإثارة الفتن في المجتمع.
بقي أن نقول لهؤلاء: لا تلعبوا بالنار، ولا تقحموا الناس في بلبلة لا تفضي إلاّ إلى الفتنة العمياء، فاسعوا سعيكم وكيدوا كيدكم، فوالله لن تمحوا ذكر هذه الفاجعة الخالدة التي ارتبطت بتعاليم السماء ودين سيد الأنبياء
العدد 1266 - الأربعاء 22 فبراير 2006م الموافق 23 محرم 1427هـ