العدد 1266 - الأربعاء 22 فبراير 2006م الموافق 23 محرم 1427هـ

درويش... لجوء إلى فضاء آخر

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

«هي أغنية... هي أغنية» أن يحضر الشاعر الكوني محمود درويش بيننا في «ربيع الثقافة»... افتقدناه طويلا، وكدنا أن ننسى أن الفصول جهات أربع! وأننا سنردد معه» سأقطع هذا الطريق الطويل، وهذا الطريق الطويل الطويل إلى آخره، إلى آخر القلب أقطع هذا الطريق الطويل الطويل الطويل، فما عدت أخسر غير الغبار، وما مات منّي، وصفَّ النخيلْ».

هو المهيمن على ذاكرتنا دائماً، بل هو المهيمن على أشيائنا الحميمة، بدءاً «بوردة السياج»، مروراً «بنشيد الرحيل»، وليس انتهاء «بانتحار الخيول»، الخيول التي لم تسلم مضاميرها من الخصخصة، ومباركة مشروع العولمة الذي طال حتى الأسرار!

ظل درويش فضاء آخر نلجأ اليه كلما صادرت العشائر والطوائف والمافيات الرسمية الفضاءات من حولنا، ظل ولا يزال أفقا جديرا بذهابنا نحو العصيّ والمستحيل، وأحيانا العبثي، الذي ندرك في نهاية مطافنا حوله، أنه سيألفنا كأبناء أنجبهم، فانشغل عنهم بتيهه الخلاّق، وحين يتيقن أن العودة نضجت، يعود أدراجه قاطعا الطريق الطويلة ليتفاجأ بهم هناك في انتظاره وقد اكتسبوا صفة وملامح البيت الأول.

منذ ما قبل «11 كوكبا»، ويوسف المغدور من أشقاء الدم، والسقف الواحد، منذ ما قبل «لماذا تركتَ الحصان وحيداً»، و «سرير الغريبة»، و«كزهر اللوز أو أبعد»، ومشروع درويش الشعري على تقاطع مع المشروعات الشعرية الأفقية وهي السائدة اليوم مختطا لنفسه ذهاباً عمودياً لقصيدة صادمة بمغايرتها ونحتها اللغوي والرؤيوي، وفي الوقت نفسه، بالبساطة التي يذهب اليها درويش، فيما هو متسلح بثقافة مرعبة وكبرى، لتأتي محصلة البساطة في الذهاب ذاك، نصوصا هي على قدر كبير من الإدهاش وما يشبه الإعجاز.

ظل المشروع الشعري العربي طوال 30 عاماً، متعدداً ربما في صياغاته، ولكنه على رغم ذلك التعدد، لم يستطع أن يتجاوز الرؤية الواحدة، والتبسيط الواحد. بمعنى آخر، ظلت الصياغات تلك مدخلاً لوهم كبير، تألفت معه طوابير من الشعراء، بحيث استراحوا الى ما اعتبروه إنجازا أكبر، تمثل في ذلك التعدد الذي لم يستطع أن يُخرج الشعر من عزلته ولعنة تكراره، واستمراء حال من التسخيف أدمنها.

مع درويش، وشعراء آخرين لم يتجاوزوا أصابع اليد الواحدة، استطاع الشعر ربما للمرة الأولى في تاريخه أن ينتقل من مرحلة «النقل» والتعليق شبه المباشر على الحدث، إلى مرحلة التنبوء، وليس ذلك فحسب، اذ النبوءة وحدها لا تكفي، ما لم تعد صوغ الوعي ومنحه طاقة التحرك والتمرد وفرض تصوره للمضمون الذي يجب أن تكون عليه الحياة وانسانها، بغض النظر عن الشكل الذي يسوّر ويحيط بذلك المضمون مع ضرورة الإشارة هنا الى أن درويش لم يضع فاصلا بين الحياة والشعر، اذ ظل يتعامل معهما باعتبارهما معنى وقيمة واحدة، باعتبار أن للحياة شعريتها، وللشعر حياته، يتضامنان ويتكاملان في وحدة رؤية ونظر وقيمة

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1266 - الأربعاء 22 فبراير 2006م الموافق 23 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً