نشرت صحيفة «الوسط» في عددها الصادر بتاريخ 24 يناير/ كانون الثاني 2006 خبراً (لم يؤكد رسمياً) بشأن نية التحالف الرباعي للجمعيات السياسية المعارضة في الطعن في دستورية اللائحة الداخلية فيما لو قررت تلك الجمعيات المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة.
والسؤال هو ما مدى إمكان نجاح هذا التوجه؟
من المعروف أن اللائحة الداخلية لمجلس النواب قد أصدرتها الحكومة قبل انعقاد أول اجتماع لهذا المجلس بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الأول 2002، وذلك بالمرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2002 الصادر بتاريخ 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2002، وذلك ضمن حزمة المراسيم بقوانين التي عجلت الحكومة إصدارها بعد العمل بالدستور الجديد الذي صدر ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 14 فبراير/ شباط 2002. وقد استبقت الحكومة السلطة التشريعية في إصدار تلك المراسيم بقوانين خلال فترة 11 شهراً الواقعة بين تاريخ صدور الدستور في 14 فبراير 2002 وتاريخ انعقاد أول اجتماع لمجلس النواب في 14 ديسمبر 2002. كما أن الحكومة أصدرت أيضاً اللائحة الداخلية لمجلس الشورى المعين، وذلك بالمرسوم بقانون رقم (55) لسنة 2002. ولكن الجدل القائم ينحصر في اللائحة الداخلية لمجلس النواب المنتخب، وذلك على أساس أن الدستور الجديد لسنة 2002 ينص في المادة 94 منه على أن كلاً من مجلس النواب ومجلس الشورى هو الجهة المختصة بإصدار اللائحة الداخلية أو نظام سير العمل بالمجلس.
وبحكم استباق وضع الحكومة للائحة الداخلية لمجلس النواب بالمرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2002 دون انتظارها لقيام المجلس بنفسه في وضع لائحته الداخلية وفقاً لنص المادة 94 من الدستور، يثار التساؤل حول مدى دستورية هذا المرسوم بقانون، وهل يمكن الطعن عليه أمام المحكمة الدستورية؟
ولكن قبل الإجابة على هذا السؤال، يشار بداية إلى أن مجلس النواب الذي اعترض على لائحته الداخلية التي وضعتها له الحكومة وأدخل عليها عدة تعديلات جوهرية لم تنل موافقة الحكومة عليها، استمر في الوقت نفسه خلال هذا الفصل التشريعي الأول - الذي يشارف على نهايته - في تطبيق أحكام اللائحة الداخلية، معترفاً بذلك بهذه اللائحة بحكم الأمر الواقع.
بينما يقتضي الأمر من المجلس أن يؤجل تطبيق هذه اللائحة الداخلية التي يعترض عليها إلى حين الحصول على موافقة الحكومة على التعديلات الجوهرية التي أدخلها على هذه اللائحة. وكان يجب على المجلس لسد الفراغ الناجم عن تعليق تطبيق هذه اللائحة الداخلية، ان يتخذ قراراً بوضع لائحة إجراءات مبسطة مؤقتة ليسير على هديها إلى حين يتم الاتفاق بين المجلس والحكومة على اللائحة الداخلية المعدلة من قبله. وباعتبار مجلس النواب سلطة تشريعية منتخبة، فإنه يملك الاختصاص في وضع لائحة إجراءات مؤقتة يسير على هديها إلى حين اقرار اللائحة الداخلية المذكورة. وبطبيعة الحال، لا يكون هذا القرار بوضع لائحة الإجراءات المؤقتة خاضعاً لحكم المادة 92 من الدستور الذي يتطلب قيام الحكومة بوضع الاقتراح بقانون في صيغة مشروع قانون. ذلك لأن قرار المجلس بوضع لائحة إجراءات مؤقتة للمجلس ليس اقتراحاً بقانون. هذا عدا أن هذا القرار بلائحة الإجراءات المؤقتة سيتم تطبيقه مؤقتاً خلال الفترة التي لم يتم فيها الاتفاق بين المجلس والحكومة على قانون اللائحة الداخلية المعدل للمجلس. إن السوابق القانونية والدستورية تؤكد صحة هذه الإجراءات. وقد كان المجلس الوطني القديم قد وضع بنفسه لائحته الداخلية وفقاً لنص المادة (71) من دستور سنة 1973. ونظراً إلى أن المجلس الوطني القديم الذي وضع لائحته الداخلية وأقرها بقانون، قد استغرق معظم دور الانعقاد الأول لوضع تلك اللائحة، فإنه خلال تلك الفترة لجأن إلى إقرار لائحة إجراءات بسيطة مؤقتة للمجلس معتمداً في ذلك على اللائحة الداخلية للمجلس التأسيسي السابق لسنة 1972، وذلك إلى حين إقرار وإصدار القانون رقم (4) لسنة 1974 بشأن اللائحة الداخلية للمجلس الوطني.
وفي هذا المجال، تؤكد الاعراف الدستورية أنه يجوز للمجالس المنتخبة أن تقر لنفسها لائحة إجراءات مؤقتة إلى حين إقرارها للائحة الإجراءات المتكاملة التي ستصدر فيما بعد وفقاً للقانون. ولكن مجلس النواب لم يعلق تطبيق لائحته الداخلية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2002، والتي يعترض عليها، إلى حين التأكد من موافقة الحكومة على التعديلات الجوهرية التي أدخلها على تلك اللائحة. ونتيجة لالتزام رئاسة مجلس النواب الصارم بتطبيق أحكام اللائحة الداخلية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2002، على رغم اعتراض أعضاء المجلس على بعض أحكامها القاسية والتعسفية أحياناً، لم يستطع النواب أن يمارسوا اختصاصاتهم التشريعية والرقابية بحرية كاملة، ومن دون تدخل رئاسة المجلس في منع بعض الأعضاء من الكلام وتهديدهم بالعقوبات التي تنص عليها تلك اللائحة الداخلية التي لم تصدر وفقاً لنص المادة 94 من الدستور الحالي. هذا عدا الحظر الذي يفرضه نص المادة 92 من الدستور على حرية المجلس في التقدم إلى الحكومة مباشرة بمشروع قانون يقوم المجلس بوضعه دون تدخل من الحكومة في اعداده في صيغة مشروع قانون.
وتتناول المادة رقم (95) من اللائحة الداخلية تفصيلاً لنص المادة 92 من الدستور. ولكن بالمقارنة مع المادة (80) من القانون رقم (4) لسنة 1974 بشأن اللائحة الداخلية للمجلس الوطني القديم، نجد أن هذه المادة الأخيرة تنص على اختصاص المجلس نفسه في وضع الاقتراح بقانون المقر من قبله في صيغة مشروع قانون من دون تدخل من السلطة التنفيذية في هذا الشأن. وتقوم اللجنة القانونية والتشريعية للمجلس، مستعينة بخبرة مستشاريها القانونيين، باعداد وصوغ مشروع القانون المقر من المجلس، تمهيداً لتقديمه للحكومة لأخذ وجهة نظرها فيه.
وبناء عليه، فإنه خلافاً للمادة 92 من الدستور الحالي والمادة (95) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب السالف بيانهما، تتضمن المادة 71 من دستور سنة 1973 والمادة (80) من اللائحة الداخلية للمجلس الوطني القديم - التي أقرها المجلس نفسه بالقانون رقم (4) لسنة 1974 - تكريساً للمبدأ الديمقراطي السليم في استقلال السلطة التشريعية عن تدخل السلطة التنفيذية في شئونها.
وفيما عدا ما تتضمنه اللائحة الداخلية لمجلس النواب من إجراءات تؤدي إلى إعاقة أعضاء المجلس في ممارسة اختصاصاتهم النيابية بحرية ومن دون تدخل من السلطة التنفيذية، وذلك في مقابل ما تتضمنه اللائحة الداخلية للمجلس الوطني القديم من يسر وحرية في هذا المضمار، يشار إلى أن المادة الأساسية في اللائحة الداخلية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2002 التي تتعرض لنقد شديد هي المادة 145 من هذه اللائحة. إذ تنص هذه المادة على تحديد الشروط المطلوبة لاستجواب الوزير. وتتضمن هذه الشروط، الشرط الذي يقضي بأن «لا يكون الاستجواب متعلقاً بأمور لا تدخل في اختصاص الوزير المستجوب أو بأعمال أو تصرفات سابقة على توليه الوزارة».
إن هذه المادة من اللائحة الداخلية تتضمن حكماً يتجاوز حكم المادة 65 من الدستور الحالي التي لا تتضمن ما تتضمنه المادة المذكورة من اللائحة في شأن اعفاء الوزير من الاستجواب عن الأعمال أو التصرفات السابقة على توليه الوزارة.
وعليه، يمكن لمجلس النواب أن يطعن في المادة 145 من اللائحة الداخلية أمام المحكمة الدستورية لتجاوزها الصريح لحكم المادة 65 من الدستور في هذا الشأن. وقد اثبتت تجربة مجلس النواب خلال دورات انعقاده السابقة أن الحكومة استغلت نص المادة 145 من اللائحة لصالحها، وذلك حين نقلت وزيراً معرضاً للاستجواب من وزارة خدمية يتولى اختصاصها إلى حقيبة وزارية أخرى في الوقت الذي عينت خلفاً له في وزارته التي كان يتولى حقيبتها في السابق، وزيراً جديداً. وفي هذه الحال، ضربت الحكومة عصفورين بحجر، وذلك لأنها أولاً، اعتبرت الوزير الخلف الذي تولى حقيبة الوزير السابق - والذي كان سيخضع للاستجواب - وزيراً جديداً، وبالتالي لا يعتبر مسئولاً عن «أعمال أو تصرفات سابقة على توليه الوزارة» بحسب نص المادة 145 من اللائحة الداخلية. وبذلك ضمنت الحكومة عدم خضوع الوزير الجديد للاستجواب. وثانياً، لأنها اعفت الوزير السابق الذي تولى الحقيبة الوزارية السابقة، إلا أن تلك الأمور أصبحت غير داخلة ضمن اختصاصاته في الحقيبة الوزارية الجديدة التي نقل إليها. وبذلك، ضمنت الحكومة أيضاً بهذا التلاعب في تعديلات الحقائب الوزارية، عدم خضوع الوزيرين (الوزير السابق والوزير اللاحق الجديد) للاستجواب المقرر بموجب المادة 65 من الدستور. وقد مهدت المادة 145 من اللائحة الداخلية الطريق للتحايل في كل وقت ضد تطبيق حكم المادة 65 من الدستور بشأن الاستجواب الذي يبدو بهذه الصورة التي تحددها المادة 145 من اللائحة، حقاً رقابياً لمجلس النواب قد أوقف تطبيقه بحكم هذه المادة الأخيرة.
هذا عدا أن حق الاستجواب للوزير هو حق مطلق للسلطة التشريعية ولا يمكن أن يسقط بتغيير المناصب الوزارية للوزراء، إذ إنه مرتبط بالتحقيق البرلماني في شئون الوزارة نفسها بصرف النظر عن تغيير شخصيات الوزراء الذين يتولون المناصب الوزارية الخاصة بتلك الوزارة. إذ إن القصد من الاستجواب هو مكافحة الفساد والتسيب الإداري في الوزارة المعنية. وعليه، فإن الاستجواب يمكن أن يوجه إلى الوزير الجديد الذي أصبح يتولى اختصاصات تلك الوزارة، وان كانت الأعمال والتصرفات الموجه بشأنها الاستجواب قد صدرت قبل تولي الوزير الجديد شئون تلك الوزارة.
وبالنظر إلى مخالفة نص المادة 145 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب لحكم المادة 65 من الدستور، فإنه يبدو من الممكن الطعن على دستورية هذه المادة من اللائحة الداخلية للأسباب السالف بيانها. ولكن لا يبدو، من ناحية أخرى، انه من الممكن الطعن على دستورية اللائحة الداخلية بقوانين الأخرى التي صدرت قبل انعقاد أو اجتماع للمجلس الوطني بتاريخ 14 ديسمبر 2002 - يبدو وكأنه قد اكتسب حصانة ضد الطعن
إقرأ أيضا لـ "حسين محمد البحارنة"العدد 1261 - الجمعة 17 فبراير 2006م الموافق 18 محرم 1427هـ