حينما ينتج خطابنا الإعلامي العربي عبارات الإشادة لبرامج التربية، فإننا نعتقد أن ثمة رؤية علمية ثاقبة تقف خلف هذه النظم التربوية، إلا أن المتتبع الاعتيادي لبرامج التربية العربية يكتشف بجلاء أن من يفكر في بلداننا هم أقل الفئات مستوى أكاديمياً، وأنهم في الغالب مجرد «شخصيات وصولية»، لا تمتلك رصيداً معرفياً، أو تعليمياً، يشفع لها بالإنتاج، أو البقاء في سدة التحكم وصنع القرار.
لا يستطيع أي منا أن ينكر تلك العلاقة المتسمة بالشك، بين مؤسساتنا الأكاديمية والعلمية من جهة، وبين مستويات اتخاذ القرار في الحكومات من جهة أخرى، ثمة حال من التجاهل المتعمد والمقصود تجاه مخرجات هذه المؤسسات الأكاديمية، سواء على صعيد ما تنتجه هذه الجامعات والمراكز من دراسات، أو حتى مع شخصياتها النخبوية، بما يدعو للاعتقاد بأن ثمة «فجوة» من الصعب رتقها.
في النموذج الأميركي، «مراكز الأبحاث الأميركية» تعتبر أحد أهم روافد التمويل على مستوى الاستراتيجيات والشخصيات في المؤسسات السياسة والاقتصاد في الولايات المتحدة الأميركية، هذه المراكز البحثية، سواء كانت تابعة للجامعات الأميركية أو كانت أهلية الإنشاء، تعتبر المصدر الممول الرئيسي للقادة والسياسيين والاقتصاديين الأميركيين.
باحثون، كأمثال «ريتشارد بيرل» مساعد وزير الدفاع السابق، و«دينس روس» المبعوث السابق للإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، «كونداليزا رايس» وزيرة الخارجية الأميركية، ما الذي يجعلهم على قمة السلطة السياسية، هؤلاء كانوا مفكرين مهتمين بالتجربة، والعلم، والمعرفة. فلماذا تلاقفتهم وزارات السياسة والدفاع.
مراكز بحثية، مثل «مركز كارنيغي للسلام الدولي»، و«مؤسسة هوفر للحرب والثورة والسلام»، و«مجلس العلاقات الدولية»، تلعب دوراً في صوغ القرار السياسي الأميركي، والكثير من الشواهد تبرهن على أنها تتحكم بالقرار السياسي في أحلك المواقف والمستجدات الدولية.
الأكاديميون «الموالون»، هم من يمتلكون الفرصة للوصول إلى مراكز القرار السياسية، هذه «الموالاة» تفترض على الأكاديمي حين تختاره السياسة أن يخلع رداءه، ليرتدي رداء «التابع» السياسي، وهنا بالتحديد نكون أمام أسوأ النماذج الأكاديمية، إذ يفقد الأكاديمي «علميته» ليكون مجرد «رقم» من الأرقام التي تجلس على طاولات السياسة الوهمية.
«الاكاديميون» المؤثرون تجدهم خلف المكاتب المهمشة، أوراقهم الثمينة تصفر في أوراق المجلات المهملة، تحاربهم ترسانة «الولاء المطلق» تارة، وتمنعهم عن بث علومهم تشريعات الجهل والرجعية تارة أخرى. أي أجواء هذه التي تغتالنا بلا رحمة.
خط الموالاة/ النفاق لابد من المرور عليه، الساكنون المتسمون بالإتزان والهدوء لا ينفعهم وقارهم، ثمة طقوس «ولاء» و«ذل» لابد أن يقدمها الأكاديمي في مؤسساتنا العربية لأرباب السلطة حتى يكون أكاديمياً معترفاً به، وحتى يستطيع أن يساهم في بناء عقول الأجيال الجديدة! وبالاعتماد على طقس المذلة، يرتقي البعض، ويقبر آخرون.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1261 - الجمعة 17 فبراير 2006م الموافق 18 محرم 1427هـ