في احدى المسلسلات التلفزيونية الهادفة - على ندرتها - كان هناك شاب وامرأة جميلة ومن بيت كريم لكنه كلّما تقرب منها صدته بعنف عنها ليس لخلو الشاب من شكل مقبول أو حسب شريف أو جاه وسلطان، فقد كان من بيت موسر الحال وكان شاباً حلو المعشر ذا أخلاق حميدة، ولكنها كانت قد تعلقت وهي طفلة بابن عمها وكبر معهما الحب فهي على وعد قريب بالزواج منه.
غير أن الشاب المحب كان قد تغلغل به الحب فوجد الشيطان فرصة يلج منها إلى عقله وقلبه فحول شخصيته إلى النقيض، فأخذ بالتهديد والوعيد وارسال الشتائم واستعمال القوة حتى ضجت منه الفتاة وأبوها وابن عمها ونقلوا الأمر إلى أبيه فلم يجد مندوحة عن ارسال ابنه إلى شيخ زاهد في أعلى الجبل، وبعد فترة جاء الشاب الغاضب وقد تحول إلى حمل وديع وكان فيما قاله: «لا حاجة لي بهذا الحب بعد أن عرفت محبة الله سبحانه وتعالى».
تلك القصة ربما ابتعد فيها راويها عن الواقع وخصوصا في هذه الأوقات التي انسلخت فيها عقول الناس ونامت على شهواتها من دون انتباهها على فضائلها، ولكنها قصة تحمل بذوراً حقيقة بالازهار والنمو. فهي تنبه الغافلين إلى أن الله سبحانه وتعالى يرعاهم بعينه التي لا تنام، وأن باب التوبة اليه مفتوح، وأن رحمة الله وسعت كل شيء، وأن الانسان مهما جرت به قدماه في الطرق المتعددة فسيظل يحن إلى ربه ورحمته وسيظل محتاجا اليه.
ألا يقول الله سبحانه وتعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى» - (طه: 124) فالحقيقة واضحة إذا، في أن الانسان مهما علا شأنه أو ابتعدت به أهواؤه ومطاوعة يظل محتاجاً إلى ربه ولا ينجيه من متاعبه الا العودة اليه، هل دار بخلدك يوما مقدار ما يحتاجه نبات الأرض من شمس وماء؟ وهل لمست مقدار تعلق الطفل الصغير بأمه، وكيف أنه يستمد منها الحياة. نعم لمست بنفسك ذلك، وقد وجدت الطفل الصغير لا يقر له قرار ولا تهدأ له نفس دون أن يرى وجه أمه أو يلجأ الآباء إلى خرقة يقربونها من أنفه يشم فيها رائحة أمه! ويشعر بوجودها، فما بال أقوام لا يتورعون عن الاصرار في الابتعاد عن ربهم إلى الدرجة التي لا يجدون فيها حرجاً من القول بأنهم أحرار يفعلون ما يشاءون وأن الله لا سلطة له عليهم. ولكنهم عندما يجوعون ولا يجدون ما يأكلون يقولون يا رب، وعندما يظمأون ولا يجدون شرابا يقولون يا رب، وعندما يشتد عليهم المرض فلا يجدون معيناً يقولون يا رب. حتى اذا من الله عليهم برحمته فأشبعهم من بعد جوع وأطفأ ظمأهم وشافاهم من أمراضهم خلو إلى شياطينهم فلم يتورعوا على الانابة إلى الشيطان والابتعاد عن الله سبحانه. يقول تعالى «واذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون» (يونس 21).
العدد 1260 - الخميس 16 فبراير 2006م الموافق 17 محرم 1427هـ