أوقفت سلطات الأمن الأميركية جهودها في البحث عن خمسة أشخاص ذكرت أنهم دخلوا الولايات المتحدة لارتكاب أعمال إرهابية بعد أن تم الكشف عن أن قصة المطلوبين الخمسة الذين طلب مكتب التحقيق الفيدرالي الأميركي القبض عليهم نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي ملفقة، الأمر الذي يكشف حقيقة التحذيرات المتعلقة بالإرهاب التي تصدرها السلطات الأمنية إذ تبيّن أن مواطنا كنديا من أصل باكستاني يدعى مايكل جون حمداني (50 عاما) فبرك تلك القصة للإفلات من ملاحقة القضاء الأميركي له تزويره وثائق لعبور الحدود إلى الولايات المتحدة.
وكان حمداني الذي اعتقل في كندا في 31 أكتوبر الماضي أبلغ المحققين في سياق محاولته الإفلات من ملاحقته أمام القضاء الأميركي بتهم التزوير التي يواجهها في نيويورك منذ العام 1996، أن 19 شخصا سعوا للحصول على أوراق مزورة لعبور الحدود إلى الولايات المتحدة. وكان حمداني فشل في المثول أمام جلسة استماع في 15 مايو/ ايار 1996 وصدرت بحقه مذكرة اعتقال.
وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي أصدر ديسمبر/كانون الأول الماضي، مذكرة للقبض على الرجال الخمسة الذين نشرت صورهم في موقعها على شبكة الإنترنت. وقالت الشرطة الأميركية إن الرجال الذين لم تكشف عن جنسياتهم هم عبيد نوراز علي وافتخار خزمي علي ومصطفى خان أواسي وعادل برويز وأكبر جمال.
وأفادت المعلومات التي نشرتها سلطات الأمن الفيدرالية الأميركية الشهر الماضي أن هؤلاء دخلوا البلاد بصورة غير مشروعة بواسطة جوازات سفر بريطانية مزورة.
غير أن ظهور أحد المطلوبين الخمسة محمد أصغر خان في باكستان وتأكيده أمام الصحافة أنه لم يدخل قط الولايات المتحدة على رغم أنه قال إنه حاول مرة قبل شهرين استخدام وثائق مزورة لدخول بريطانيا لإيجاد عمل هناك، قد فتح الباب واسعا أمام صحة ادعاءات سلطات الأمن الأميركية. وقد ادعت سلطات الأمن الأميركية أنها اكتشفت أن القصة كلها ملفقة بعد استجواب أحد أفراد شبكة تزوير الوثائق في باكستان. وقال الناطق باسم وزارة العدل الكندية باتريك شاريت، الاثنين الماضي إن مايكل حمداني الذي مثل الخميس الماضي أمام محكمة في تورونتو وافق على تسليمه إلى الولايات المتحدة. وأكد شاريت أن وزارة العدل ستعلن قريبا قرارها المتعلق بتسليم حمداني. وكان حمداني اعتقل على خلفية اتهامات بتزوير وثائق، لكن السلطات تراجعت عن هذه الاتهامات لدى مثوله أمام المحكمة الخميس الماضي.
ويقول تقرير نشرته صحيفة «كابيتول هيل بلو» المعنية بشئون الكونغرس الأميركي إن البيت الأبيض يقوم بابتكار واختلاق تحذيرات تتعلق بالإرهاب لإبقاء المسألة حية في عقول الناخبين الأميركيين من أجل المحافظة على نسبة عالية من التأييد للرئيس بوش الذي يعتزم ترشيح نفسه لولاية ثانية.
وقال التقرير الذي نشر الخميس الماضي، إن الادارة الأميركية منهمكة في نوبات هستيرية بإصدار تحذيرات عديدة بشأن الإرهاب ليس لديها سوى أساس ضئيل أو هي من دون اساس.
وقال أحد رجال مكتب التحقيقات الفيدرالي «لسوء الحظ، فإننا لم نحقق الكثير من التقدم ضد القاعدة أو الحرب ضد الإرهاب، ونحن نقوم بإدارة هذه العجلات منذ عدة أسابيع وحتى الآن».
ويقوم البيت الأبيض بالضغط على وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وأجهزة الاستخبارات الأخرى لتطوير «شيء ما أو أي شيء» لتأييد أي مجموعة من التحذيرات غير المحددة الخاصة بالإرهاب يصدرها البيت الأبيض ووزارة الأمن الداخلي».
ونقلت الصحيفة عن عنصر آخر في الـ (إف بي آي ) إنه «في معظم الأوقات ليس لدينا إلا القليل للاعتماد عليه، بل مجرد نتف غير مؤكدة من المعلومات وأن معظم التحذيرات تصدر من دون الاستناد إلى معلومات ملموسة تدعم هذه الافتراضات».
وكانت التحذيرات الأخيرة بالإرهاب قد صدرت في غياب أي معلومات محددة بوجود تهديدات، فكل واحد من هذه التحذيرات يأتي من دون أي تغيير في الألوان الجديدة الخاصة بالإنذار وهو مستوى التحذير الحالي وهو الأصغر، أو المرتفع، فهو لا يزال على حاله منذ شهر سبتمبر.
وقال خبير الإرهاب رونالد بلاكستون «ربما كان الهدف من وراء قصة المتسللين الخمسة هو سياسي». وأضاف «إنني أتخيل أن الأصابع بدأت تشير إلى البيت الأبيض».
وكان الرئيس بوش قال عن حال محمد أصغر «إن علينا أن نلاحق الجوازات المزيفة والناس الذين يحاولون دخول بلادنا بصورة غير مشروعة». وقال أحد رجال الـ (إف بي آي) «لا تخطئوا الفهم، فهناك تهديد إرهابي حقيقي لهذه البلاد، ولكن في كل مرة نعلن فيها حالات إنذار مرتفعة زائفة فإن ذلك يؤدي إلى تبلد إحساس الناس ضد ذلك اليوم الذي يصدر فيه بالفعل إنذار حقيقي».
وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي أصدر العام الماضي تحذيرات بأن الإرهابيين قد يهاجمون مدرجات ملاعب رياضية، ومعامل للطاقة النووية، ومراكز أسواق تجارية، ومعابد يهودية، وشققا سكنية، وأنفاق، وتمثال الحرية وجسر بروكلين وغيرها من معالم مدينة نيويورك، كما نصح المكتب الأميركيين أن يقلقوا من الطائرات الصغيرة وصهاريج الوقود ومعدات الغوص تحت الماء.
وتقول مصادر مطلعة إن البيت الأبيض كان أصدر حديثا مذكرة تبين أن الحرب ضد الإرهاب ذات فائدة سياسية محددة وأداة لجمع التبرعات. وهذه واحدة من بين الكثير من الوثائق الأخرى التي تبحث في استغلال التهديد الإرهابي. ويقول المخطط الاستراتيجي للحزب الديمقراطي روس باركسديل «بالطبع إن البيت الأبيض سيستغل تهديد الإرهاب من أجل تحقيق أقصى فائدة سياسية، ويكونون أغبياء إن لم يفعلوا ذلك، فنحن نفعل الشيء نفسه».
وقال الناطق باسم وزارة الأمن الداخلي جوردون جوندرو «إن كل شيء كان يوصف بأنه تحذير إرهابي، ولكن ذلك لم يكن كذلك». مضيفا «إذا أصبحت هذه المعلومات علنية فإننا بطبيعة الحال لا نستطيع أن نعمل في فراغ والتظاهر بأن هذه المعلومات لم تصبح علنية». غير أن رئيس قسم التحذيرات الإرهابية في مكتب التحقيقات الفيدرالي كيفين جيبلين قال «إننا نعيش في عالم من التهديدات ولا تستدعي كلها إصدار إنذارات ولا بد أن يكون هناك مستوى متزايد من الإنذار عموما».
ويرى خبراء آخرون أن التهديد بالإرهاب قد يساعد البيت الأبيض في إدارة الاقتصاد الأميركي المتدهور. وقال هؤلاء إن التهديد بالإرهاب ربما لعب دورا في هبوط نسب الرهن لمدة ثلاثين عاما إلى 5,85 في المئة وهي أقل نسبة منذ العام 1965. وقال كبير الاقتصاديين في شركة فيدي ماكس العملاقة لتمويل البيوت، فرانك نوثانت «إن القضايا الحالية من احتمال قيام عمليات عسكرية في الخارج وإنذارات الإرهاب المرتفعة والهبوط غير المتوقع في ثقة المستهلك ساهمت في انحدار نسب الرهونات»
العدد 126 - الخميس 09 يناير 2003م الموافق 06 ذي القعدة 1423هـ