العدد 1258 - الثلثاء 14 فبراير 2006م الموافق 15 محرم 1427هـ

عام على اغتيال الحريري (3)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أمس مرت الذكرى الأولى لجريمة اغتيال رفيق الحريري. وحتى الآن تبدو الحكاية في بداياتها، وتنتظر الكثير من الأمور والتطورات لتتضح الخاتمة التي ستستقر عليها.

أمس كانت الأنظار شاخصة على ساحة الشهداء (الحرية) في بيروت تترصد حجم الحشود وتسترق السمع لتلك الكلمات التي ستلقى في المناسبة. اليوم انتظره الجميع لتحديد اتجاهات الرياح بعد أن عصفت الخلافات بتجمع «14 آذار» الذي حصل بعد شهر من اغتيال الحريري. آنذاك كانت الظروف مختلفة. فالحادث مضى عليه 30 يوماً وكانت القيادة السورية لم تتخذ قرارها بعد بالانسحاب من لبنان. وبسبب تلك الأجواء الملبدة احتشد أكثر من مليون نسمة في الساحة... وبعد انتهاء التجمع المليوني تفرق الحشد وتوزع سياسياً وذهبت كل فرقة إلى منطقتها لتنزوي عن الأخرى تنتظر ماذا بعد؟

ما حصل في 14 فبراير/ شباط بعد سنة على جريمة الاغتيال و11 شهراً على الحشد المليوني فاق كل التوقعات وخالف كل الحسابات الرقمية والسياسية. فالتجمع المليوني الذي اعتقد كل المتابعين والمحللين أنه انتهى ولن يتكرر عاد مجدداً إلى واجهة المشهد اللبناني وبكلام أكثر وضوحاً من ذاك الذي طغى على خطب زعماء المعارضة قبل قرابة العام. كانت الحسابات الرقمية تتوقع أن يكون الحشد قليلاً بعد أن تم الانسحاب السوري قبل 10 أشهر. فالانسحاب سحب ذريعة من قوى محلية كانت تعتبر أن الوجود السوري هو سبب المشكلات كلها. وتوقعت الحسابات الرقمية أيضاً أن يتراجع الحشد إلى أقل من النصف بعد انسحاب الجنرال ميشال عون من تجمع «14 آذار». فالجنرال حين عاد من منفاه قرر مغادرة التجمع منطلقاً من وجهة نظر مختلفة تركزت على نقاط جوهرية قامت على أساس واضح وهو أن سورية انسحبت وبالتالي سقطت الذريعة ولابد من البحث عن بديل آخر للتجمع. واقترح عون أن تتوافق الأطراف اللبنانية المتنافرة على خطة مشتركة وبرنامج عمل يهتم بنهوض الدولة ومشكلاتها المالية والتنموية وغيرها.

شكلت وجهة نظر عون إضافة نوعية زادت من إرباك ساحة «14 آذار» وكاد التجمع أن يتلاشى بعد تساقط رموزه نتيجة الاغتيالات والتفجيرات والتهديدات واضطر بعض قادته للاختباء أو مغادرة لبنان.

هذه الأجواء المتغيرة شكلت وجهة نظر قوية تشير إلى احتمال قيام معادلة جديدة تعتمد على ثنائية تتمتع بشعبية نافذة في الشارعين المسلم والمسيحي. وتعزز ذاك الرأي بعد لقاء السيدحسن نصرالله والجنرال عون واتفاقهما على مشروع برنامج مشترك تميز بالوسطية والاعتدال. وراهن الكثير على احتمال استقطاب هذا البرنامج الثنائي مختلف القوى لإعادة تشكيل سياسة واقعية تتمتع بجاذبية شعبية توحد اللبنانيين على نقاط تجمع كل التيارات على الحد الأدنى.

ما حصل أمس في ساحة الشهداء خالف كل التوقعات وجاءت الحسابات الرقمية مخالفة لكل التحليلات. فالحشد المليوني تكرر ثانية. والقوى التي تفرقت بعد تجمع «14 آذار» عادت روافدها لتصب في الساحة وتتجمع مرة أخرى في «14 شباط».

هذا الأمر خلط مجدداً الأوراق بعد أن كانت اختلطت أوراق التحالفات بانسحاب سورية من لبنان وخروج عون من تجمع «14 آذار». فما الذي حصل؟ وكيف أعيد استقطاب القوى على قواعد أكثر تشدداً في خطابها السياسي مما كان عليه الأمر سابقاً؟

من الصعب الآن تقديم الجواب الواضح بشأن ما حصل. فالمسألة تحتاج إلى وقت لمراقبة ردود الفعل اللبنانية والشعبية والسورية على ما ذكر من مفردات وكلمات ألقيت في مناسبة الذكرى الأولى لغياب الحريري. الآن هناك أجوبة قصيرة وسريعة قد تساعد على قراءة عامة للمشهد السياسي اللبناني المعروف بكثرة تحولاته وانقلاباته وتغيراته. من المحتمل أن يكون حادث الاعتداء على كنائس منطقة الأشرفية بمناسبة التظاهر ضد الرسوم المسيئة للرسول الكريم شكل حساسية واستفز مشاعر الأحياء المسيحية وأحرج التيار المؤيد للجنرال عون. ومن المحتمل أن يكون التعاون الثنائي الذي أعلن في كنيسة الشياح بين السيد نصرالله والجنرال خطوة لم تفهم جيداً في بعض الأوساط السياسية. فهناك تيارات فهمت التعاون محاولة من قبل أكبر قوتين عزل أو تهميش القوى الأخرى فردت الأخيرة بإعادة استنفار «العصبيات» لتجميعها مجدداً في دائرة تشد كل المتفرقات السياسية وتوحدها ضمن برنامج متصلب جرى تلخيصه في نقطتين: رفض التدخل الأجنبي في شئون لبنان، والضغط مجدداً على موقع الرئاسة ومطالبة إميل لحود بالخروج من قصر بعبدا.

هناك الكثير من التفسيرات يمكن طرحها لقراءة ما جرى أمس في الذكرى الأولى لغياب الحريري... إلا أن ما جرى فاق التوقعات. وهذا الأمر يثير الدهشة ويطرح أسئلة من نوع: ماذا بعد؟ فهل لبنان أمام عاصفة تطيح بالكيان أم هدوء يعيد للبلاد ما تحتاجه من استقرار.

هناك فسحة للانتظار.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1258 - الثلثاء 14 فبراير 2006م الموافق 15 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً