العدد 1254 - الجمعة 10 فبراير 2006م الموافق 11 محرم 1427هـ

مقاطعة الانتخابات ليست خطيئة

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تعددت الكتابات وتنوعت بشأن احتمال إعلان قرار مشاركة المقاطعين (الجمعيات الأربع وبعض الشخصيات المستقلة) في انتخابات المجلس التشريعي. هناك من طالب بوضع رقابهم أسفل المقصلة ومعاقبتهم على المقاطعة، وهناك من ناشدهم الاعتراف بالخطأ لأنه فضيلة المؤمن، وبتقديم الاعتذارات إلى نواب المجلس الوطني أو التقدم بتفسيرات لها أول وليس لها آخر. طبعاً تتغافل هذه الخطب الوجه الآخر للمشهد السياسي، وهي ان من شارك في التجربة البرلمانية وروج لنفسه بالشعارات ولمعها بتقديم برامج العمل وأغدق على الشعب الوعود والأحلام قبل أربع سنوات، مطالب هو الآخر بجرد الحسابات الختامية والكشف عما فعل وما لم يفعل، فضلاً عن الإجابة عن أسئلة الكيف واللماذا.

وماذا أيضاً؟

أيضاً، لو تأملنا الواقع ومن دون تقديم تبريرات لهذا الطرف أو ذاك، وبغض النظر عن قرار المشاركة أو المقاطعة، وموقف اللاموقف، وبخلاف الحال الانتظارية للحظة التاريخية المترقبة والتي على ضوئها ستفرز عاجلاً أم آجلاً، قرارات سياسية متوقعة أو غير متوقعة، السؤال الموجه إلى المقاطعين: عن ما الذي تغير حتى أتغير؟ ليس فيه من الدقة والفصاحة السياسية شيء يذكر، ومردود عليه، لماذا؟ لأنه ببساطة شديدة يؤشر إلى معدلات الجمود عند تفكيك معطيات الواقع وإعادة ربط عناصره الثابتة والمتحولة / المتعددة مع بعضها بعضاً، والادعاء بأن لا شيء قد تغير، يعني النظر إلى التغير من جهة أن التغير الذي يستوجب الحدوث هو فقط ما يصب في مجرى مصلحتي وإلا فليس هناك من تغير. ثم وبغض النظر عن نقيض الموقفين المقاطعة / المشاركة، فإن كلاهما في حقيقة الأمر يحمل في أحشائه بذور الالتقاء والاختلاف، والواقع قبلنا أم لم نقبل، في حال دينامي مستمر ومتغير سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي، والساحة المحلية ليست بعيدة عن مؤثرات اهتزازات ساحة الصراع العراقية، ولا الخضات العاصفة بالساحة اللبنانية، وتتقاطع بعدا وقرباً بلعلعة ما يحدث في فلسطين ومصر، هذا ولا يفوتنا ما يقلق المضاجع الإيرانية، ومن يرى خلاف ذلك، ويؤكد انه لا تغيير ولا تأثير لكل ذلك على مستويات القرار السياسي الرسمي منه والشعبي، لا ريب واقع تحت سلطة الوهم، ولايزال يغط في أحلام يقظته. وربما من الواقعية القول، ان المتغيرات قد لا تصب في جعبة هذا الطرف أو ذاك، ومن العقلانية والرجاحة تأكيد ان من سيواصل التحصن في مساحة الدائرة التي اختارها قبل أعوام ويتصلب دوراناً حول نفسه ويتقوقع، سيسبقه «القطار» إلى المحطة التالية، بحسب تعبير اخوانا المصريين.

الدعوة إلى المساءلة والاعتذارات والمطالبة بها على مستوى النشاط السياسي الرسمي منه أو الشعبي، واردة ولا غبار عليها بل لا غنى عنها، ولاسيما حين وقوع الخطيئة الكبرى المتمثلة في الفشل السياسي أو الفساد الإداري والمالي وحتى الأخلاقي منه لأي زعيم سياسي أو جماعة أو حزب أو جهة رسمية، وقتها يكون الاعتذار واجباً أولا ومن ثم مغادرة حلبة القيادة ثانياً وللأبد. وفي السياق، يجدر التنويه إلى تجارب الشعوب ومنها الأحزاب السياسية العربية والدولية التي انتهجت خيارات المقاطعة أو المشاركة في أزمنة مختلفة، لكونها شكلاً من أساليب النشاط السياسي، وأثبتت أن المقاطعة جزء لا تنفصم عراه عن مساقات عملية الصراع السياسي في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، هذا في الوقت الذي ندرك فيه تمام الإدراك، أن التجربة البحرينية أكثر تعقيداً وحساسية لكونها تتعاطى مع ملف دستوري ذي أبعاد سياسية متشعبة ويتقاذفه واقع سياسي زئبقي غير مستقر، وإنها تجربة تحققت بعد نزف من الدماء ومخاض وولادة عسيرة للوطن لكي يخرج من عنق زجاجة شلت عنده حرية الحركة والحوار والتواصل مع الوضع بواقعية عقلانية.

كل ذلك مدرك، ولهذا من الغرابة الإصرار على ممارسة الفعل السياسي بمنهج تحليل مطلق ومغلق يفتقد النسبية والمرونة في رؤية الظواهر وتحليلها وتقييم الواقع وإعادة إنتاجه. فالسياسي لكي يتجنب الانزلاق في مستنقع خطابات وأفعال المراهقة والصبيانية، مطلوب منه ألا يهدر الوقت كثيراً أمام بالونات الاختبار والدعايات المترهلة والترهات ودعوات المطالبة بالاعتذار حينا أو الاستجداء حيناً آخر، إنما البحث والتنقيب في معطيات الواقع وعناصره النشطة والنائمة بعقلانية ثاقبة وعلمية وتسخيرها للهدف، وبإمكانه أن يكون مع خيار المقاطعة والمشاركة في آن. كيف؟

قبل الإجابة، رأينا هذا قد لا يروق للبعض، إلا ان تحقيق الخيار المزدوج ممكن، بالمشاركة في الانتخابات، والاحتجاج على مشاريع القوانين غير العادلة (الانتخاب، الصحافة، الإرهاب، العقوبات والجمعيات الأهلية..الخ) والإصرار على توسيع المشاركة الشعبية لصوغها وتعديلها، وتوقيع العرائض المطالبة بتعديلات دستورية واقتصار التشريع على النواب المنتخبين، وانتقاد الحركات الانشقاقية في داخل حركة المعارضة والتفاعل معها قلباً وعقلاً في مطالبها العادلة، والتقاط لب شعاراتها وحراكها على المستوى المحلي والعالمي، الحقوق لا تمنح بالمجان، إنما تفرزها ممارسة الضغوطات والفعل السياسي. ثمة من يجد في هذه الرؤية برغماتية. ولم لا! المهم، هو السيرورة، وفعل الانتقال من حال الثبات والخمول إلى حال النشاط والحراك السياسي، ذاك الذي يسعى الحكم إلى تقييده، أو تحييده، أو انتزاعه من أفواه المعارضة على كل الصعد وفي كل المجالات. الحراك يعني إعمال العقل لتحقيق الغاية، ولإيجاد واقع دستوري وتشريعي عالي المستوى ومتوافق عليه، لا النوم على موقف نهائي مطلق لا يأتيه الباطل من بين يديه.

خلاصة، تذكير لمن ينسى ويتناسى عمداً التاريخ، إنه وحينما أعلنت المقاطعة قبل أربع سنوات، لم يعلن أحد من قادتها ولا محركيها أنها ستكون نهجاً استراتيجياً وأبدياً، حينها كان الجميع يتعلم ألف باء الفعل السياسي العلني/الرسمي منه والشعبي، كان ولايزال يتعلم، وستزداد دروسه وتتراكم عبره بفعل الممارسة والقراءات السياسية الواقعية، لا بالجمود والتحجر

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1254 - الجمعة 10 فبراير 2006م الموافق 11 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً