العدد 1253 - الخميس 09 فبراير 2006م الموافق 10 محرم 1427هـ

مواجهة ألمانية إيرانية ساخنة في ميونيخ

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

كان المؤتمر الأمني في ميونيخ في السنوات القليلة الماضية مناسبة لاستعراض الخلافات القائمة بين دول التحالف الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية، ومازالت في أذهان المراقبين المشادة التي جرت بين وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر ووزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد قبل وقت قصير من وقوع الحملة العسكرية على العراق العام 2003، حين عبر فيشر عن غضبه من أن ما تشير إليه الولايات المتحدة من أدلة ضد العراق وأن هذا البلد يملك أسلحة الدمار الشامل ليست مقنعة، وبالتالي والكلام هنا لفيشر: ليس بوسعنا أن نقنع مواطنينا بأن هذه حرب مشروعة. يومها تحجر رامسفيلد في مكانه وشعر أنه يتمنى في هذه اللحظة أن يكون في مكان آخر بعيداً جداً عن فندق(بايريشر هوف) الذي ينعقد فيه المؤتمر سنوياً منذ أكثر من أربعين سنة وعلى الدوام وسط إجراءات أمنية مشددة.

الأوروبيون الذين اعتادوا على حضور رامسفيلد بصورة فيل في متجر يبيع صحون البورسلان، لاحظوا أن رامسفيلد يحاول هذا العام العمل على إعادة تماسك الحلف الغربي في مواجهة إيران. وقال في كلمته أمام المؤتمر: ينبغي علينا أن نعد مرحلة جديدة في تاريخ الحرية وقد حان الوقت كي نعمل مع بعض إذ ليس بوسع دولة واحدة تحقيق النصر في الحرب ضد الإرهاب من دون التعاون مع دول أخرى. لهذا السبب يرى رامسفيلد أنه ينبغي تحويل حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى قوة عسكرية مشتركة لطرفي الحلف الأطلسي. وأضاف وزير الدفاع الأميركي المثير للجدل: ما كان يوصف بالحرب ضد الإرهاب أصبح اليوم حرباً طويلة وهذا يوجب على أطراف الحلف الأطلسي الالتزام بمزيد من التعاون مثلما كان الأمر إبان الحرب الباردة التي دامت عدة عقود من الزمن وانتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي. وقال رامسفيلد ان الغرب كسب الحرب الباردة بسبب تضامن دوله.

في الدورة الـ 42 للمؤتمر الأمني في ميونيخ الذي بدأ كاجتماع غير رسمي بين مسئولين عسكريين ألمان وصحافيين ثم بات في السنوات الأخيرة منبراً لمناقشات يشارك فيها وزراء الدفاع وخبراء الأمن من عشرات الدول أبرز القضايا المطروحة على الأجندة الدولية، تم التركيز على النزاع القائم مع إيران بشأن برنامجها النووي ولأن الغرب يتهمها بالسعي إلى امتلاك أسلحة نووية. لذلك كان الخلاف مبرمجاً. ففي العام الماضي خسرت حكومة المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر ثقة الشعب الألماني وتم انتخاب أنجيلا ميركل كأول امرأة في منصب المستشار. وتتزعم ميركل الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ. من أبرز ما سعت إليه ميركل بعد تسلمها منصبها البدء في تحقيق الوعد التي قطعته بأن تعيد العلاقات الألمانية الأميركية لسابق عهدها وخصوصاً أن هذه العلاقات تصدعت خلال فترة حكم شرودر بسبب الخلاف بينه وبين الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بشأن عدد من القضايا أبرزها غزو العراق. من ناحية المبدأ لم تعارض ميركل حرب العراق بل انتقدت شرودر لأنه لم يقف في صف بوش. الناخبون الألمان لم يعاقبوا شرودر بسبب سياسته الخارجية بل بسبب فشله في السياسات الداخلية. قادت أول جولة خارجية المستشارة ميركل إلى واشنطن ثم موسكو و«إسرائيل». يستفاد من كلامها أنها بدأت تعيد ألمانيا إلى صف اليمين الغربي وهي لا تتحدث بلغة واحدة مثل الإسرائيليين كما كتب حديثاً بل يلاحظ البعض أنها تنافس حتى أشخاصاً مثل رامسفيلد.

في كلمتها أمام الحاضرين في المؤتمر الأمني تهجمت بشدة على إيران واستخدمت عبارات قاسية وقالت: في مطلع الثلاثينات لم تتحرك دول أخرى بقوة ضد ألمانيا النازية. لذلك ينبغي أن يتضامن المجتمع الدولي في مواجهة إيران ويقول بكل وضوح ما مسموح به وما لا يسمح به، أدى كلام ميركل القاسي ضد إيران إلى تدخل نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي إذ حصلت ملاسنة بينه وبين المستشارة. بعد ساعات صرح ناطق حكومي في طهران بأنه ينبغي على السيدة ميركل التي تعشق نفسها أن تفكر أولا في الكلام الذي تقوله.

ألمانيا الجديدة في ظل حكومة تتزعمها ميركل، تتحدث بلهجة سياسية غير التي تحدثت بها ألمانيا في عهد شرودر. في زيارتها لواشنطن التزمت الصمت حيال حرب العراق. في موسكو اجتمعت مع معارضي الرئيس فلاديمير بوتين. وفي «إسرائيل» هددت(حماس) بوقف صرف مساعدات مالية ألمانية وأوروبية إذا لم تعترف الحركة الفلسطينية بـ «إسرائيل» ووقف العنف ضدها والالتزام بالاتفاقات المبرمة بين «إسرائيل» والفلسطينيين.

خلافاً للسنوات الماضية شعر المشاركون من الولايات المتحدة بسرور كبير لما سمعوه من ميركل. وقال الخبير السياسي الأميركي إليوت كوهن انه حصل على شعور أن التوتر بين الولايات المتحدة وأوروبا بسبب حرب العراق، زال اليوم وكان هذا جليّا في اللغة التي تحدثت بها ميركل والتي تختلف كليا عما كان يقوله المستشار السابق شرودر. لو لم تشتد الحرب الكلامية بين الغرب و«إسرائيل» من جهة وإيران من جهة أخرى لكان المؤتمر الأمني في ميونيخ حصر موضوعات النقاش في التطرق إلى العلاقات الأطلسية ومواصلة إصلاح الأمور بعد توترها بسبب حرب العراق. غير أن وفداً إيرانياً عالي المستوى مؤلفاً من خمسة أشخاص، طلب المشاركة في المؤتمر قبيل افتتاحه بأيام قليلة. انه التصعيد السياسي من قبل الغرب إذ يعتقد الإيرانيون أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أخذت قرارها تحت ضغط من واشنطن. كما انتشر على هامش المؤتمر نبأ من طهران أفاد أن إيران قررت تشغيل برنامج إنتاج اليورانيوم ردا على الخطوة الاستفزازية التي قامت بها الوكالة الدولية. هكذا تحول المؤتمر الأمني في ميونيخ إلى مؤتمر غير رسمي لمناقشة التصعيد الجديد بين الغرب وإيران. في كلمتها انتقدت ميركل عودة تشغيل برنامج إنتاج اليورانيوم الإيراني وقالت بحضور نائب وزير الخارجية الإيراني ان إيران تجاوزت الخط الأحمر. ثم مضت في انتقادها وجددت هجومها على تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التي هدد فيها بمحو «إسرائيل» من خريطة العالم. حصل الحاضرون على شعور بأن الغرب يفكر جديا في عمل عسكري ضد إيران حين قارنت ميركل مسعى إيران لامتلاك صواريخ مزودة برؤوس نووية، بالقوة العسكرية لألمانيا النازية وقالت ان فرصة ضاعت في الثلاثينات للتصدي للنازيين وكان ينبغي التصدي لهم منذ البداية. ويعتقد فايدنفيلد أن ميركل لا تستثني الخيار العسكري ولو كانت تستثنيه، فلماذا استخدمت لغة حادة مع إيران ولماذا لم تقل بوضوح انها تعارض الخيار العسكري؟

بعد انتهاء ميركل من إلقاء كلمتها وقف رئيس الوفد الإيراني ونائب وزير الخارجية عباس عرقجي وكان استعداده للرد مفاجأة للحاضرين لأنه من عادة الإيرانيين التزام الصمت. حاول عرقجي تلطيف الجو في القاعة وقال انه يشكر ميركل على كلامها باستثناء ما ذكرته عن إيران. أكد أن إيران لا تسعى إلى التسلح النووي وأنها تؤيد حظر انتشار هذه الأسلحة كما لم تحاول إيران الحصول على أسلحة نووية لكنها سعت للحصول على برنامج بحوث لأغراض سلمية، فلماذا تعتقد السيدة ميركل أننا تجاوزنا الخط الأحمر؟ تلا المقدمة هجوم مبطن على فرنسا و«إسرائيل» وقال عرقجي: لماذا ترى السيدة ميركل أوروبا وغيرها مهددة ولا ترى إيران مهددة. من راقب مناقشات المؤتمر الأمني في ميونيخ، حصل على شعور بأن النزاع بين الغرب وإيران، دخل مرحلة ساخنة.

العدد 1253 - الخميس 09 فبراير 2006م الموافق 10 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً