العدد 1246 - الخميس 02 فبراير 2006م الموافق 03 محرم 1427هـ

ميركل بين عقدة الذنب وعقدة «حماس»

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

ليس أحد المعلقين في صحيفة(يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية فقط توصل إلى هذه النتيجة، بل أعضاء في الوفد الألماني المرافق للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قالوا أيضا ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بالوكالة إيهود أولمرت والمستشارة ميركل يتحدثان بلغة واحدة منذ يوم الأحد الماضي. ليس معنى ذلك أن ميركل تعلمت اللغة العبرية، بل المقصود هنا لغة السياسة.

وقد كشفت ميركل بما لم يعد يدعو إلى الشك عن تحيز ألمانيا لإسرائيل. ففي الوقت الذي طرحت فيه ميركل ما وصفته بشروط ألمانيا وأوروبا على الحكومة الفلسطينية القادمة، فإن هذه الشروط لا تختلف عن الشروط الإسرائيلية وهي: أن تعلن (حماس) التي فازت بالغالبية في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية تخليها عن العنف نهائيا، الاعتراف بحق «إسرائيل» في البقاء، الالتزام بالاتفاقات المبرمة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. من دون تحقيق هذه الشروط، لا يمكن للفلسطينيين بعد اليوم الحصول على مساعدات مالية من الاتحاد الأوروبي وألمانيا. يذكر أن قيمة مساعدات الاتحاد الأوروبي السنوية للسلطة الفلسطينية تبلغ خمسمئة مليون يورو تسهم ألمانيا بنصيب كبير فيها، كما تقدم ألمانيا للسلطة مساعدات سنوية حجمها 50 مليون يورو.

وكانت مصادر إعلامية قد ذكرت قبل وصول ميركل إلى تل أبيب أن المستشارة الألمانية التي تنحدر من ألمانيا الشرقية السابقة وزارت «إسرائيل» لأول مرة بعد سقوط جدار برلين في نهاية الثمانينات، ترى ضرورة تقوية موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليستطيع إدارة الأمور الفلسطينية بشكل متوازن في مرحلة التغيير التي صدمت المسئولين في حركة (فتح) والسياسيين الغربيين على حد سواء. فقد نشأ في المناطق الفلسطينية وضع شبيه بالذي حصل في الجزائر في مطلع التسعينات حين انتصر الإسلاميون في الانتخابات العامة وتم إلغاء النتائج ما أدى إلى قيام حرب أهلية دامية مازال أثرها موجودا حتى اليوم.

المفاجأة الفلسطينية ومردودها على الساحتين الإقليمية والعالمية، حولت زيارة ميركل من زيارة عادية لأنه من المعتاد أن يقوم كل مستشار ألماني جديد بزيارة تقليدية إلى «إسرائيل» بعد زيارة فرنسا والولايات المتحدة ومقر المفوضية الأوروبية في بروكسل. رفضت ميركل تأجيل الزيارة بعد ظهور نتائج الانتخابات وإعلان حماس الفائز بها وبغالبية ساحقة. أصرت على المضي بها على رغم وجود رئيس الوزراء أرييل شارون على سرير الموت.

هكذا أصبحت زيارة ميركل أكثر من عادية. إذ إن ميركل أول رئيسة حكومة أجنبية تزور المنطقة بعد فوز حماس. من جهة أكدت تحيز ألمانيا لـ «إسرائيل». ألمانيا ثاني أكبر ممول للدولة العبرية ويشمل التعاون جميع المجالات بما فيها التعاون العسكري والأمني. فالمخابرات الألمانية (بي أن دي) تزود عملاء الاستخبارات الإسرائيلية (موساد) منذ العام 1972 على الأقل بجوازات سفر ألمانية لتسهيل مهماتهم في دول عربية والتحرك بحرية في أوروبا. هذا ما يكشفه بوضوح فيلم (ميونيخ) للمخرج الأميركي سبيلبيرغ الذي يعرض حاليا في ألمانيا.

إذ كان أعضاء فريق الاغتيال الإسرائيلي الذين حصلوا على تكليف من رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير، الذين ارتكبوا جرائم قتل بشعة في أوروبا وأجهزوا على مواطنين فلسطينيين وعرب ليس لهم ضلع في عملية ميونيخ العام ،1972 كانوا يحملون جوازات سفر ألمانية. بما يخص التعاون العسكري قالت مصادر إعلامية ان الحكومة الألمانية ستتحمل 300 مليون يورو من عوائد الضرائب ثلث كلف بناء غواصتين جديدتين لـ «إسرائيل» من طراز (الدلفين) وكانت قد حصلت على ثلاث غواصات مماثلة هدية من ألمانيا في العامين 1999 و.2000

ويعتقد خبراء عسكريون أن «إسرائيل» ستغير فوهات الغواصتين الجديدتين مثلما فعلت بالغواصات الثلاث، لتصبح قادرة على حمل صواريخ مزودة برؤوس نووية. وهكذا فإن ألمانيا تعرض نفسها ليس فقط لتهمة تدعيم الترسانة النووية الإسرائيلية فحسب، بل أيضا لتهمة خرق المعاهدة الدولية للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل. لاسيما وأن الكشف عن هذه المعلومات يأتي في وقت تدعو فيه ألمانيا مع بقية دول الغرب إيران إلى التخلي عن طموحاتها النووية.

ولأن ميركل تتحدث لغة واحدة مع أولمرت، فقد رفضت زيارة ضريح الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وفقا لبرنامج كل ضيف أجنبي يزور مقر الرئيس الفلسطيني في رام الله، كما قالت إن الشروط التي أعلنتها واضحة غير قابلة للنقاش.

ووفقا لمصادر الوفد الألماني أكد عباس أنه متمسك بمنصبه حتى نهاية ولايته المتبقي لها ثلاث سنوات وأنه سيجتمع مع ممثلي حماس بعد أسبوعين لبدء مهمة التكليف بتشكيل حكومة جديدة. عند عودتها إلى «إسرائيل» بعد أن رفضت تعديل برنامج الزيارة ولقاء ممثلين عن حماس أكدت في أول زيارة لها كمستشارة، أن حق «إسرائيل» في البقاء مسألة لا نقاش حولها ومبدأ أساسي من مبادئ السياسة الخارجية الألمانية. هذا ما ذكرته خلال مباحثاتها مع جميع المسئولين الإسرائيليين وكررت أمامهم الشروط الثلاثة التي طرحتها على حماس.

ووفقا لمصادر الوفد الألماني صدر عن الرئيس الإسرائيلي كاتساف فقط كلام ينم عن رغبة في الصلح مع الفلسطينيين وكان الأشد قسوة في كلامه عن الفلسطينيين وزير الدفاع شاوول موفاز المولود مثل كاتساف في إيران، كما كان نتنياهو زعيم الليكود الطامح لاستعادة منصب رئيس الوزراء قاسيا في كلامه عن الفلسطينيين، كعادته.

في القدس المحتلة كما في رام الله استمعت ميركل كثيراً لمحدثيها وتحدثت قليلا لكن القليل مما قالته يحمل رسالة مباشرة لحماس. من خلال تهديدها بقطع المساعدات المالية الألمانية والأوروبية للسلطة تكشف ميركل عن الموقف المحير الذي يواجه أوروبا التي يدرك قادتها فداحة الخطأ الذي سيحدث إذا نفذوا هذا التهديد وقرروا معاقبة الشعب الفلسطيني عموماً لأنهم استجابوا لطلب الغرب في المشاركة في انتخابات ديمقراطية. ليس حماس وحدها تتعرض إلى ضغط حاليا، الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للمساعدات للفلسطينيين يرزح تحت ضغط أيضا بعد الانتخابات الفلسطينية. على رغم حدة تهديدات ميركل وغيرها من المسئولين الأوروبيين فإن إلا أن الاتحاد الأوروبي لن يقوم بخطوة تؤدي إلى نسف عملية السلام بصورة نهائية.

يأمل الألمان ومعهم الأوروبيون بحدوث معجزة وهي أن تستجيب حماس للشروط الثلاثة. إذا لم تحصل سيوقف الأوروبيون دعمهم المالي للسلطة، كما يقولون الآن ولكنهم يعرفون أن هذه الخطوة ردود فعل سلبية جدا على جميع الأطراف. الفلسطينيون يعتمدون على المساعدات المالية الأوروبية ووقف هذه المساعدات سيقود سريعا إلى انهيار السلطة الفلسطينية والمؤسسات التابعة لها ما سينشأ نتيجته وضع أمني خطير جدا. بلغ حجم المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للسلطة منذ بدء عملية السلام 1,8 مليار يورو بينها 1,2 مليار يورو لإنشاء المؤسسات السياسية الجديدة، 581 مليون يورو مساعدات إنسانية. علاوة على مساعدات تقدمها فرديا بلدان تابعة للاتحاد الأوروبي في مقدمتها ألمانيا التي قدمت حتى اليوم مساعدات حجمها 532 مليون يورو وهي أهم شريك تجاري للمناطق الفلسطينية.

غير أن «إسرائيل» دمرت الجزء الأكبر من المؤسسات الفلسطينية التي مولها الأوروبيون وكان رئيس الوزراء الإيطالي السابق رومانو برودي الذي ترأس لاحقا المفوضية الأوروبية السياسي الأوروبي الوحيد الذي حمل «إسرائيل» مسئولية تدمير ما تم تعميره بأموال أوروبية. غيره التزم الصمت خشية أن يتحول إلى عدو للسامية.

المشكلة التي فرضتها نتائج الانتخابات الفلسطينية على الأوروبيين أكبر مما يتصوره البعض في العواصم الأوروبية الذين نسوا أن «إسرائيل» الطرف الوحيد في المنطقة التي ترفض حتى اليوم دورا سياسيا للاتحاد الأوروبي في عملية السلام ولا تريد أن يعهد بدور (الوسيط) إلا للولايات المتحدة التي ليس بوسعها مثل ألمانيا القيام بدور الوسيط النزيه لعدم نزاهة سياسة البلدين تجاه الفلسطينيين. إذا قرر الأوروبيون عزل حماس والزعم أنها منظمة إرهابية كما يقال في اللغة الغربية منذ حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ،2001 ستتضامن الشعوب العربية مع حماس وقادتها.

وإذا حصلت حكومة تشكلها حماس على مساعدات مالية غربية فإن هناك في الغرب من يرى أن زحف الإسلام السياسي سيواصل ويحصل على نبضات جديدة. لكن هناك بصيص أمل عند الأوروبيين وخصوصاً أن مسئولة العلاقات الخارجية في المفوضية الأوروبية بنيتا فيريرو فالدنر دعت إلى منح حماس بعض الوقت. ووفقا لأقوال ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا لا يمكن أن تغير حماس سياستها بين ليلة وضحاها. يتجسد هذا الأمل في أن تعمل حماس بسياسة براغماتية. كما يلاحظ أن الأوروبيين يتحدثون بصوت واحد لكن إلى طرف واحد. وهم بذلك يتجاهلون «إسرائيل»، قوة الاحتلال التي تتحمل مسئولية هجرة وتشريد شعب بأكمله، وحرمانه منذ العام 1948 حتى اليوم من الحصول على هوية ووطن وأمل بمستقبل أفضل. السياسيون في الغرب أيضا يحتاجون إلى تغيير موقفهم تجاه حماس وإلى الجرأة لإبلاغ «إسرائيل» أن الخطر الكبير على أمنها ليس حماس وإنما رفضها تحقيق سلام عادل وشامل مع العرب.

العدد 1246 - الخميس 02 فبراير 2006م الموافق 03 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً