اشتدت الحرب الكلامية بين «إسرائيل» وإيران في الأيام القليلة الماضية. ويستفاد من تصريحات كبار المسئولين الغربيين أن النزاع النووي مع إيران على وشك أن ينتقل إلى مسرح مجلس الأمن الدولي في الوقت الذي تدرس فيه «إسرائيل» وفقا لتصورات استراتيجيين غربيين إمكان تدمير المنشآت النووية الإيرانية متى ما حصلت «إسرائيل» على الضوء الأخضر من واشنطن. حتى الآن تمكن الأوروبيون من إقناع الرئيس الأميركي جورج بوش بأن يمنح الدبلوماسية بعض الوقت لتجنيب منطقة الشرق الأوسط حرباً جديدة. بعد اقتناعه بما سمعه من تحذيرات من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قال بوش: إيران شيء آخر غير العراق، إذ نحتاج إلى جهود دبلوماسية أكثر. موقف بوش لم يأت من فراغ. منذ أشهر زادت حدة الانتقادات لحربه في العراق في ضوء النتائج المريرة لها من وجهتي النظر العربية والأميركية. يرى أحد المعلقين الألمان أن القدرات العسكرية الأميركية لا تكفي في الوقت الحالي لحل النزاع النووي مع إيران. ثانيا: أن القوات العسكرية الأميركية المنتشرة في العراق لا تستطيع توسيع العمليات العسكرية داخل البلد الجار. ثالثا: بوسع إيران أن تزيد مشكلات الأميركيين في العراق من خلال تحريض السكان الشيعة بصورة خاصة ضدهم. هذه هي أبرز الأسباب وراء قبول واشنطن بمواصلة الجهود الدبلوماسية التي يقوم بها الأوروبيون من خلال الترويكا (بريطانيا، فرنسا وألمانيا). اللاعب الآخر في اللعبة: «إسرائيل»، التي أثارت تهديدات وزير الدفاع في حكومتها شاوول موفاز قلق كبار المسئولين الغربيين. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الألمانية مارتن ييجر إنه على رغم حدة تصريحات المسئول الإسرائيلي فإن ألمانيا لا تتصور أن «إسرائيل» ستسارع لضرب المنشآت النووية الإيرانية. هل هذا رأي تنقصه رؤية واضحة للنزاع؟ ما تأمله ألمانيا ألا تستخدم «إسرائيل» غواصات «الدلفين» التي قدمتها في عامي 1999 و2000 هدية للدولة العبرية ويجري حاليا تجهيز غواصتين من الطراز نفسه لحساب «إسرائيل» بعد أن وافق المستشار السابق غيرهارد شرودر على الصفقة في اليوم الأخير من عمر حكومته. وقد زود مهندسون إسرائيليون عملوا في ميناء مدينة كيل شمال ألمانيا هذه الغواصات بفوهات لتصبح الغواصات الألمانية قادرة على حمل صواريخ مزودة برؤوس نووية على متنها. كما طور الألمان محركات هذه الغواصات بحيث أصبح صوتها منخفضاً إضافة إلى تمكين الغواصة من البقاء تحت الماء مدة تتجاوز أسبوعين. تعتبر «إسرائيل» الدولة الوحيدة بين الدول المتنازعة بالخصوص مع إيران التي يمكن التكهن بأنها تعير أهمية كبيرة للخيار العسكري. هذا ما أكدته حين فاجأت العالم في يونيو/ حزيران العام 1981 وأغارت مقاتلاتها الحربية على مفاعل أراك في جنوب شرق بغداد ودمرته بالكامل. ويعتقد بعض الخبراء الغربيين أن هذا السيناريو قابل للإعادة ومن أبرز العلامات على ذلك التهديدات الأخيرة لوزير الدفاع الإسرائيلي والتي سبقتها تهديدات من قبل رئيس كتلة الليكود بنيامين نتنياهو والطامح للعودة لمنصب رئيس الوزراء. موفاز المولود العام 1948 في إيران وهاجر مع اسرته إلى «إسرائيل» وكان يبلغ 9 سنوات من العمر، حذر الشعب الإيراني قبل أسبوع من الويلات التي سيجلبها إليه الرئيس محمود أحمدي نجاد إذا استمر بتحريضه على إفناء «إسرائيل». وقال موفاز أيضا إن «إسرائيل» تحضر نفسها لمرحلة ما بعد فشل الجهود الدبلوماسية الأوروبية الرامية لإقناع إيران في العدول عن خططها النووية. فسر الاستراتيجيون في الغرب تهديدات موفاز بأنها علامة بأن «إسرائيل» ستنفرد بعمل عسكري ضد إيران إذا اضطر الأمر، ويعتقد هؤلاء أن الإسرائيليين لن يترددوا باستخدام أسلحة نووية. وهذا يثير قلق المسئولين الغربيين في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وخصوصاً أنهم يروا قدرات «إسرائيل» محدودة. في هجوم من هذا النوع لن تعتمد «إسرائيل» على ترسانتها العسكرية التقليدية وستجنب نفسها التعرض لرد إيراني بصواريخ شهاب في دراسة صدرت قبل عامين حين كانت «إسرائيل» تحرض على ضرب المنشآت النووية المزعومة داخل العراق، كان الإسرائيليون يفكرون في ذلك الوقت باستخدام أسلحة نووية ضد العراق. ويعتقد محللون هنا ان واشنطن غيرت موقفها المؤيد لعمل عسكري ضد إيران في الظروف الحالية، ويقال إنها تفعل ما بوسعها لإقناع «إسرائيل» العدول عن التفكير بالخيار العسكري. هذا ما يشير إليه موقف نائب الرئيس الأميركي ريتشارد تشيني الذي قال قبل عام إنه يفهم موقف «إسرائيل» وإنه من حقها أن تكون أول دولة تتصرف. لكن تشيني توقف عن ترديد هذا الكلام وأنابت عنه وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس التي استبعدت أولا الخيار العسكري ثم قالت إن الدبلوماسية تستحق الحصول على الوقت الكافي. مثلما كانت «إسرائيل» تقول إنها تعتبر صدام حسين أكبر خطر على أمنها تقول اليوم إن إيران أكبر خطر على أمنها. وزود الإسرائيليون حكومات غربية بمعلومات تزعم أنه سيصبح بوسع إيران خلال أقل من ثلاث سنوات امتلاك صواريخ مزودة برؤوس نووية يصل مداها إلى عمق «إسرائيل» التي تبعد عنها مسافة 1300 كلم. وقال رئيس الأركان الإسرائيلي دان حالوتز «ان إيران ستباشر تخصيب اليورانيوم في شهر مارس/ آذار المقبل على أبعد حد». لكن حالوتز اضطر ليعترف أن إيران غير العراق إذ دمرت «إسرائيل» مفاعل أراك بعملية واحدة بينما المنشآت النووية موزعة في عدة مناطق داخل الأراضي الإيرانية. علاوة على أن المقاتلات الحربية الإسرائيلية لا تستطيع الذهاب والعودة من دون التزود بالوقود خلال العملية. كما لم ينس الإسرائيليون بعد الدرس من فشل العملية العسكرية الأميركية لتحرير الرهائن قبل 25 سنة. كثير من المنشآت النووية الإيرانية موجودة تحت الأرض، وأبلغ خبير الشئون الإيرانية ومدير معهد العلوم السياسية في هرتزليا عوزي آراد صحيفة(زود دويتشه) الصادرة بمدينة ميونيخ قوله: فهم الإيرانيون ضرورة إخفاء منشآتهم النووية وسيكون صعباً جدا على الولايات المتحدة أو بلدان أخرى الوصول إلى هذه المنشآت. وفقا لرأيه ليس بوسع «إسرائيل» وحدها تدمير هذه المنشآت وقال بصريح العبارة: هذا اختبار جدي لقدرة القيادة الأميركية وينبغي في مطلق الأحوال أن تقود الولايات المتحدة الهجوم على إيران. ويشير نائب رئيس لجنة السياسة الخارجية والدفاع في البرلمان الإسرائيلي جوفال ستاينيتز إلى خطر الأسلحة الإيرانية التي سيسهل عليها إنزال خسائر فادحة بالسكان الإسرائيليين لأن نسبة 80 في المئة منهم يعيشون في مناطق ساحلية وقال إن قنبلة نووية واحدة ستلحق خسائر فادحة ولن يكون بوسع «إسرائيل» النجاة من هجوم إيراني بأسلحة نووية. تريد «إسرائيل» كما الحال مع العراق دفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لتشكيل ائتلاف موحد ضد إيران. ولا يعتقد أحد في «إسرائيل» أن الجهود الدبلوماسية ستقنع إيران بالعدول عن خططها النووية. وتجس «إسرائيل» نبض الغرب وتراقب تصريحات مسئوليه. في البداية تريد «إسرائيل» أن يسعى الغرب لفرض عقوبات دولية على إيران في مقدمتها حظر استيراد النفط، ومنع المنتخب الإيراني لكرة القدم من المشاركة ببطولة العالم التي تنظمها ألمانيا هذا الصيف، وحظر سفر ممثلي الجمهورية الإسلامية، وتقليص عدد الرحلات الجوية من وإلى إيران. في الوقت الحالي يتقدم رئيس الوزراء إيهود أولمرت الذي تسلم منصبه بعد مرض أرييل شارون، على غريمه السياسي نتنياهو. لكن حين تحتدم الحملة الانتخابية بين الليكود وكاديما الذي أسسه شارون وشيمون بيريز، سيسعى كل مرشح لاستخدام ورقة إيران. ويعتقد المحللون أن أولمرت ونتنياهو سيتسابقان في تصعيد حملتهما على إيران لكسب ود الناخبين. لايختلف أولمرت عن نتنياهو وكلاهما يفكر في الخيار العسكري. بغض النظر عمن سيفوز برئاسة الوزراء في مارس المقبل، سيواصل العمل بسياسة رئيس الوزراء السابق مناحيم بيغن الذي أمر العام 1982 باجتياح لبنان وكان شارون وزيرا للدفاع وسمح للميليشيا المسيحية اللبنانية ارتكاب مذابح في مخيمي صبرا وشاتيلا تمت تحت سمع وبصر الجنود الإسرائيليين. لكن بيغن فعل شيئا آخر. في العام 1981 أمر بأن تغير مقاتلات حربية إسرائيلية على مفاعل أراك العراقي وبعد ذلك صرح بفخر أنه بات بوسع «إسرائيل» النوم بهدوء مدة عشرين سنة. الوقت يمر بسرعة و«إسرائيل» لم تعد تعرف النوم مطمئنة والغرب كذلك. في العام 1981 لم تخطر «إسرائيل» أحد أنها أمرت سلاحها الجوي بتدمير المفاعل العراقي. ويخشى المسئولون في واشنطن ولندن وباريس وبرلين أن تتصرف «إسرائيل» من دون استشارة أحد مسبقا
العدد 1245 - الأربعاء 01 فبراير 2006م الموافق 02 محرم 1427هـ