مع اضطرار الجمعيات السياسية المقاطعة والمشاركة منها في انتخابات 2002، وأقصد منها على وجه الخصوص ما يطلق عليها جمعيات التحالف الرباعي (المقاطعة)، وعلى الجانب الآخر يهمني من الجمعيات المشاركة جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي، اضطرار هذه الجمعيات مرغمة وليس بخيارها أن تسجل نفسها كجمعيات سياسية تحت مظلة قانون الجمعيات الصادر من السلطة التشريعية المنبثقة أساساً من واقع دستور 2002. معذرةً لاستثنائي الجمعيات الأخرى التي شاركت، وهي الجمعيات التي لم نعرف لها نشاطاً سياسياً وطنياً في فترات القمع، وكما قلنا في مقالات سابقة هي جمعيات في معظمها منبثقة من تجمعات دينية طائفية كانت تعنى بشئون الدعوة الدينية، وإذا كان لها ثمة موقف سياسي يتعلق بشئون الوطن لم يكن يتعدى إصدار بيانات التأييد لمواقف وزارة الداخلية والمطالبة بالضرب بيد من حديد على كل من تسوّل له نفسه مناهضة أساليب القمع والمطالبة بحقوق المواطنة وفضح الفساد والمفسدين. بعد أن اضطرت هذه الجمعيات وهي مرغمة أن تسجل تحت مظلة قانون الجمعيات ومع قرب استحقاقات انتخابات 2006، بدأ الحديث والجدل داخل هذه الجمعيات، بشأن ما إذا كانت ستشارك في هذه الانتخابات أم لا. في ظل هذا الجدل ومع وجود مؤشرات كثيرة إلى أن الغالبية في هذه الجمعيات تتجه إلى إقرار المشاركة، بدأت بعض الكتابات المؤيدة أساساً للمشاركة في انتخابات 2002 وكانت كتاباتها وأقوالها طوال الأربع سنوات الماضية تناهض حق الآخرين في اتخاذ موقف المقاطعة وتضفي عليهم الكثير من الصفات والنعوت. بدأت هذه الكتابات تنطق مطالبة من قاطع انتخابات 2002 بأن ينحني معتذراً لمن شارك في تلك الانتخابات، بحجة أن المشاركين قد تعرّضوا لحملة ظالمة من المقاطعين، وبالتالي يجب ردّ الاعتبار لأشخاصهم بعد أن أعيد الاعتبار لخيارهم، لسنا في معرض الدفاع عن أي طرف وطني قد يسيء لطرف وطني آخر بسبب الاختلاف في موقف سياسي ما، لكن لسنا مع التعميم، إذ للأسف أننا جميعاً ليست لدينا ثقافة الاختلاف، وبيننا الكثيرون ممن يعيشون خلافات الماضي ويعكسونها على سلوكهم حتى الآن. نعرف وندرك أن هناك البعض من الموجودين في صفوف الجمعيات التي نعنيها لا يتميزون بالنضج الكافي في فهم الاختلاف في المواقف السياسية، وكل يرى في نفسه أنه الوحيد الذي يملك الحقيقة المطلقة، وأنه وحده على صواب والآخرون على خطأ، بل يوجد من بينهم من يخون الآخر ويطلق عليه صفات ونعوتاً لا تجوز. من يطالب المقاطعين بالاعتراف علناً بخطأ قرارهم السابق بالمقاطعة، وتقديم الاعتذار لمن شارك، لم يقل لنا ولم يناقشنا طوال السنوات الماضية ما إذا كانت الأسباب التي استندت إليها المقاطعة هي أسباب وجيهة أم لا؟ لم يتحدث هؤلاء الكتاب أبداً عن الحقوق والمكتسبات التي تم سلبها من دستور 1973، لم يتحدث هؤلاء ويقولوا لنا ما إذا كانت التعديلات التي جاءت في دستور 2002 هي متوافقة مع ما تم الاتفاق عليه غداة توجهنا للتصويت على ميثاق العمل الوطني، هل يعقل لقوى سياسية ناضلت وقدّمت التضحيات والشهداء أن تتنازل عن حقوق مكتسبة ومثبتة في دستور شرعي، لا يحق لرب العمل أن ينال من الحقوق المكتسبة للعامل، فكيف يحق لقوى سياسية أن تتنازل عن حقوق مكتسبة لشعب؟ لم يقل لنا هؤلاء الكتاب ما إذا كان دستور 2002 هو دستور المملكة الدستورية أم لا. هل هو دستور يؤدي فعلاً إلى فصل السلطات؟ في كل ذلك لم يقولوا رأياً. كما قلنا، يهمنا من بين المشاركين المنبر التقدمي الديمقراطي، الذي نحترم رأيه ونقدره وإن اختلفنا معه، لأن موقفه نابع فعلاً من منظور وطني، لديه رؤيته وأسبابه وهي أسباب وجيهة مثلها مثل أسباب من قاطع، إذ حسبما سمعنا من رئيس المنبر التقدمي قوله إن للمقاطعة أسباباً وجيهة لا يمكن نكرانها، ولكنه يرى أن المشاركة أجدى وأنفع، وهي تقديرات نحترمها ونقدرها. الآن وبعد أن أصبحت المؤشرات كلها تصب باتجاه المشاركة، لا ننكر على من يسأل عما إذا كانت الأسباب التي حدت بالمقاطعين إلى المقاطعة قد زالت أم لا. سؤال مشروع وعلى من اتخذ موقف المقاطعة أن يجيب عليه. لم نكن من المنتمين للجمعيات مثلنا مثل الكثيرين من المهتمين بالشأن الوطني الذين لم ينخرطوا في الجمعيات القائمة، ارتأينا صحة موقف المقاطعة وغلبنا الأسباب التي دعت للمقاطعة على الأسباب التي قال بها المنبر التقدمي وتدعو للمشاركة (نقول المنبر التقدمي لأننا نفصل بينه وبين القوى الأخرى التي شاركت)، مع قناعتنا بأن أسباب الطرفين هي أسباب لها وجاهتها ولها ما يدعمها. نرى أن المقاطعين قد اتخذوا موقفاً صحيحاً وسعوا إلى بيان أسباب المقاطعة وعملوا وطالبوا ودافعوا بالسبل الشرعية والسلمية بالتغيير والتصحيح وهذا حق مشروع، والآن وهم يتجهون للمشاركة على رغم أن الأسباب التي حدت بهم للمقاطعة مازالت قائمة، نعتقد أنهم ليسوا واهمين بأن مطالبهم الشرعية والمشروعة ستتحقق من خلال السلطة التشريعية المنبثقة عن دستور 2002. ربما يتحسن بعض الأداء للمجلس المنتخب، ولكن في المسائل الكبرى التي هي مربط الفرس فإن صمامات الأمان التي وضعتها السلطة، وخصوصاً صمام الأمان الكبير المتمثل في مجلس الشورى، الذي حسب اعتقادنا مع احترامنا للكثير من أعضائه، سيكون هو الفيصل وهو الملجأ للسلطة لتمرير ما تراه. لذا نعتقد أنه يتوجب على المقاطعين الذين يتجهون للمشاركة التأكيد على ذلك حتى لا يعيش البعض أوهاماً ليس لها من محل على صعيد الواقع. ربما تتحقق بعض المكاسب البسيطة جراء المشاركة، لكن في الغالب أن المجلس المنتخب سيتحول إلى ساحة سجال بين السلطة وبين القوى الفاعلة في هذا المجلس، نتمنى ألا يكون ذلك، بل نتمنى أن يكون المجلس المنتخب مجلساً فاعلاً وأن تعي السلطة رغبات ومطالب الشعب الحقيقية في الإصلاح الحقيقي والمحاسبة واجتثاث الفساد. والآن يا ترى هل استحقاقات المشاركة تتمثل في اعتذار من قاطع الانتخابات السابقة لمن شارك ورد الاعتبار إلى أشخاصهم كما يرى البعض. نرى أن الاستحقاقات الحقيقية للمشاركة تتمثل في المزيد من التأكيد على شرعية المطالب الدستورية وتعزيز النضال من أجلها، تتمثل في ضرورة فتح ملف التيار الوطني الديمقراطي وضرورة فتح الحوار الجاد والصادق في صفوفه شريطة ألا يكون ذلك لأسباب انتخابية فقط، بل بقناعة صادقة في ضرورة العمل المشترك والبعد عن المهاترات في سبيل الاستعداد الحقيقي لبناء تيار وطني ديمقراطي أقرب ما يكون للوحدة بدلاً من هذا التشتت والتشرذم الذي لا يسر المخلصين والصادقين. إن من أهم استحقاقات المشاركة هو توسيع قاعدة التحالف بين قوى المعارضة الحقيقية التي تطمح فعلاً في حدوث إصلاحات حقيقية. لندع تجربة المشاركة في انتخابات 2006 لمن قاطع انتخابات 2002 أن تثبت لهم بأن مقاطعتهم كانت خطأً استراتيجياً وقعت فيه، وبعد ذلك نطالبها بأن تنحني وتعتذر، * كاتب بحرين
العدد 1240 - الجمعة 27 يناير 2006م الموافق 27 ذي الحجة 1426هـ