لقد اثبت الكويتيون بعد تجاوز ازمتهم على منصب رئاسة امارتهم بمدى تمسكهم بتقاليد الديمقراطية ومبدأ دولة المؤسسات، اذ اسمعوا العالم كله بانهم ديمقراطيون حتى النخاع، وذلك عبر تنفيذ بنود دستورهم بكل جرأة من دون تردد أو خشية من احد سوى انهم يطبقون ويمارسون مبادئ الديمقراطية الحقيقية. احترم الكويتيون دستورهم وتمسكوا بهيبته وقالوا «لا» و«نعم» في الوقت المناسب على رغم ان تاريخ الانظمة العربية لم يشهد يوما مثل هذا التطبيق الفعلي لدساتيرها المكتوبة، ففي كثير من بلدان هذه الانظمة يلغى الدستور والعقد الاجتماعي بمزاجية وجرة قلم اي بمجرد ان تجري الامور على غير هوى الحكام. بل حتى أن الصحافة والإعلام الكويتي كان يتعاطى مع ما يجري بحرية غابت عنها وسائل الاعلام العربية والخليجية. ان ما حدث في الكويت لا يخص هذا البلد الجار والقريب على قلوبنا بل له بعده الاقليمي على دول الخليج، إذ يعبر عن باقي الأسر الحاكمة في المنطقة ووضعها الذي ليس منوطا على صناديق الاقتراع بل خاضع للتوازنات داخل أوساطها على الحكم بين اجيالها وافخاذها. قد يسجل انتقال الحكم عبر وصاية مجلس الأمة الكويتي سابقة دستورية تجعل من تجربتها نبراسا فريدا على مستوى المنطقة العربية الى تميز تجربة فصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء منذ ثلاث سنوات الذي يطمح الكويتيون مستقبلا منصبا يطرقه افراد الشعب عبر باب الانتخاب مثل الذي نوه اليه الباحث والمحلل الكويتي خلدون النقيب في تصريح صحافي لـ «الوسط» امس الاول. ايضا قد تدفع التغييرات الدولية والاقليمية الحاصلة الى ما حدث في الكويت وأثره مستقبلا على دول الخليج الى التحول التدريجي نحو ملكيات دستورية تترك الحكم للنواب المنتخبين عن طريق افراد الشعب لأن تجربة هذا البلد كفيلة لإعطاء انموذج مختلف وتطور جديد قد يشكل مستقبل الساحة السياسية في منطقة الخليج التي مازالت تعتمد على نمط الحكم القبلي التقليدي. ومن يدري قد تكون الكويت وهي البلد الخليجي الوحيد الذي على قدر من التمثيل البرلماني ان تعيد النظر في قوانينها في إدارة شئون امارتها وتكون بذلك أول من بدأ بالتغيير الحقيقي في المنطقة مع العلم ان نواة ديمقراطيتها تأسست مع بداية الستينات من القرن الماضي على يد الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح.