أصدر معهد بروكينغز Brookings Institute دراسة مهمة بعنوان «وراثة سورية في العصر الحديث»، تتعرض الدراسة لمعضلة سورية عند صانعي القرار السياسي الأميركي، وتنصح الدراسة إدارة الرئيس جورج بوش بعدم الإسراع في الطريق إلى دمشق، وبالتروي في التعامل مع الملف السوري «Do not Rush on the Road to Damascus». وترى الدراسة أن اقتصاد سورية الضعيف، وتنوعها السكاني، ووضعها الجيوستراتيجي الهش يجعل من السهل مستقبلاً تصوّر دور محدود لسورية في الشرق الأوسط الكبير. إلا أنه في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، والآن في عهد ابنه بشار، لعبت ومازالت تلعب سورية دوراً مهماً في الشرق الأوسط. الدراسة المذكورة مليئة بالتفاصيل الدقيقة عن نظام الحكم السوري تحت حكم بشار الأسد، ويقترح التقرير تبني الولايات المتحدة سياسة «العصا والحجر» بما يضمن تحقيق المصالح الأميركية مع سورية. فلنعتقد مجازفة/ جهلاً، ان مركز صناعة القرار السياسي الأميركي كانوا متفقين مع هذه الدراسة، وقد أخذوا في تطبيقها. ولنا أن نترفع عن الجهل للحظات، إذا علمنا أن 95 في المئة من مجمل القرارات السياسية الأميركية ليست سراً، بل هي منشورة ليقرأها الجميع على مواقع الدراسات والبحوث السياسية البالغة 350 مركزاً بحثياً متخصصاً. إذاً كان الأميركيون ببساطة يستخدمون سياسة التقطير بالماء على رأس دمشق، وهذه العملية في الغالب طويلة الأمد نسبياً، وعلى رغم أني أميل إلى الاعتماد أكثر على تصديق نشرات مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية csis، وعلى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى Washington Institute for Near East Policy، فإني سأعتقد أن الرئيس الأميركي ومعاونيه كانوا قد فضلوا سياسية النفس الطويل. إلا أن ما لم تستطع أي من مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأميركية أن تتوقعه، هو أن تكون دمشق هشة، مستكينة، ضعيفة، إلى هذا الحد، لم يكن أحد يتوقع أن تكون سلسلة التراجعات والأوجاع السورية المتتالية بهذا السيناريو السريع. لا أحد ينكر في المطلق أن النظام السوري استطاع داخلياً ان يصنع لنفسه خلال الفترة الماضية «نسقاً» اجتماعياً داعماً، فالخطاب السياسي التعبوي الذي انتهجته الأداة الإعلامية السورية كان نجاحه ملحوظاً، فالكثير من قوى المعارضة السورية صرح بأن خيار «عراق أخرى» هو خيار مرفوض. وهذا ما جعل الأميركيين يستعجلون البحث عن «شخصيات» سياسية مؤثرة من المعارضة السورية يستطيعون الاعتماد عليها. إلا أن مجمل هذا التكتيك الأميركي لم يكن ناجعاً بالحد الكافي. إلا أن عدة سيناريوهات جديدة ستكون جاهزة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، لا أستطيع أن أراهن على أي خيار أو سيناريو مقترح، إلاّ أن التسارع السياسي في الهبوط السياسي الخارجي لدمشق يعطي دلالات واضحة، بأن الداخل السوري لن يستمر على هذا الهدوء النسبي لفترة طويلة. وأن الداخل السوري سيكون موضع الاستهداف السياسي المباشر للأميركيين. دمشق، حولت السياسة الأميركية من تكتيك النقر بالماء إلى سياسة الغرق، ولم تحاول إعطاء نفسها مهلة سياسية كافية كالتي حصل عليها صدام حسين في العراق قبل تحريره. وظاهر للعيان أن أي تحرك سياسي سوري «عاقل» سيكون مطلباً استراتيجياً بالنسبة إلى دمشق، على أن لا يكون هذا التحرك متلازماً لضربات ثقيلة من وزن «خدّام»، أو لخطاب سياسي «متعجرف» لا يعي خطورة ما يقول.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1233 - الجمعة 20 يناير 2006م الموافق 20 ذي الحجة 1426هـ