العدد 1231 - الأربعاء 18 يناير 2006م الموافق 18 ذي الحجة 1426هـ

حققت وعدها... ميركل تبتسم لبوش وتعبس في وجه بوتين

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

مساء الثامن عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي بدت زعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي أنجيلا ميركل، حزينة وشبه مصدومة، وكأنها خسرت الانتخابات العامة وانتهت حياتها السياسية. في الطرف المقابل جلس المستشار غيرهارد شرودر وكأنه فاز في الانتخابات ثم خرج عن كل لياقة وقال ساخراً من ميركل: لا تتصوري حقاً أنك ستصبحين مستشارة، وأنك لن تنجحي في تشكيل حكومة ائتلافية مع حزبي. ظلت ميركل صامتة، فقد فشل حزبها في ذلك اليوم في الفوز بنتيجة كان يفترض على الأقل أن تسهل له التحالف مع حليفه الحزب الليبرالي. لكن قرار الناخبين الألمان أوقع الحزبين الشعبيين الكبيرين في وضع صعب وفرض عليهما أن يتفاوضا لتشكيل حكومة الائتلاف الكبير. قبل وقت قصير على الجلسة التي نقلت مباشرة على التلفزيون كانت ميركل على رغم الفارق الضعف في عدد الأصوات قد أعلنت أنها الفائزة في الانتخابات، وتصرف شرودر كأنه حصل على تفويض جديد من الناخبين لمواصلة العمل في منصبه. حتى أن زوجته، الصحافية السابقة دوريس كوبف، اعتبرت تصرف زوجها لم يكن لائقاً مع ميركل. في النهاية رضخ شرودر للواقع وقَبِل أن يتخلى عن موقفه المتصلب وفاجأ ميركل بباقة من الورود حين استقبلها ليسلمها مفتاح مقر المستشارية. بتاريخ 22 نوفمبر/ تشرين الثاني حصلت ميركل على منصب المستشارة وهي أول امرأة تتقلد هذا المنصب في بلد معروف فيه أن المناصب السياسية الرفيعة حكر على الرجال. تحقق حلم امرأة عملت حتى خمس عشرة سنة مضت فيزيائية في مختبر ببرلين الشرقية إذ نشأت في رعاية والدها رجل الكنيسة الذي انتقل إلى العيش من هامبورغ إذ ولدت أنجيلا إلى ولاية براندنبورغ الشطر الشرقي. بمجيء أنجيلا ميركل إلى السلطة وعلى رأس حكومة ائتلافية أحد طرفيها الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه المستشار السابق شرودر، بدأت مناقشات بشأن التغييرات التي ستخضع لها السياسة الخارجية الألمانية. خلال الحملة الانتخابية رفع الاشتراكيون ملصقاً للمستشار شرودر يحمل صورته وتحته: مستشار السلام. كانت هذه إشارة إلى رفضه حرب العراق. في الغضون بات العالم يعرف وفقاً لما كشفته وسائل الإعلام الألمانية والأميركية أن سياسة شرودر كانت ذات شقين. في الخفاء كانت المخابرات الألمانية تدعم القوات العسكرية الأميركية وتزودها بمعلومات عن أهداف داخل العراق لتكون الضربات الأميركية مركزة. كما أن حكومة شرودر كغيرها من حكومات أوروبية أخرى، كانت على علم بعمليات خطف مواطنين عرب في أوروبا أيضاً من قبل «السي آي إيه» ونقلهم سراً إلى سجون في أفغانستان وغيرها، وأنه في القريب سيشكل البرلمان الألماني لجنة تحقيق يمثل أمامها المستشار السابق ووزير الخارجية السابق يوشكا فيشر، لسؤالهما عن الدور الألماني في حرب العراق وما يعرفانه عن نشاطات «السي آي إيه». على رغم سخونة المناقشات وحدة الاتهامات فإن المستشارة ميركل لا تشعر بخطر لأن القضية تمس الحكومة السابقة، وإذا كان هناك شخص يتعرض لضغط فهو وزير الخارجية الجديد فرانك فالتر شتاينماير لأنه لا بد أنه كان على علم بحقيقة ما كان يجري وراء الكواليس وغير ما كان يعلنه شرودر وفيشر من انتقاد لحرب العراق. ما لا شك فيه أن ميركل ستكون سعيدة إذا طالبت لجنة التحقيق البرلمانية بأن يزاح شتاينماير عن منصبه لأن شرودر أصر قبل تخليه عن منصبه على أن يعهد بمنصب وزير الخارجية لهذا الرجل الذي كان مديرا لمكتبه حين كان يرأس حكومة سكسونيا السفلى (عاصمتها مدينة هانوفر) قبل فوزه بالمستشارية في العام 8991. كان شرودر يرمي إلى استمرار السياسة الخارجية التي عمل بها وخصوصاً العناية بالعلاقات الألمانية الروسية. فقد نشأت علاقة شخصية متينة بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من نتائجها حصول شرودر بعد تخليه عن العمل السياسي على وظيفة عمل في شركة روسية للطاقة تشرف على المشروع الذي تم توقيعه بين حكومتي البلدين قبل نهاية الولاية الثانية لشرودر ويقضي ببناء أنبوب عبر بحر الشرق لينقل الغاز إلى ألمانيا. استطاعت حكومة ميركل الثبات في وجه الأعاصير الكبيرة التي نشأت بسبب قضية خالد المصري، الألماني من أصل لبناني الذي اختطفته «السي آي إيه» إلى أفغانستان وربما بعلم ومساعدة المخابرات الألمانية وفقاً لما نشر، ثم دور عميلين ألمانيين في حرب العراق، كانا يزودان الأميركيين بمعلومات عن أهداف حساسة إلى حد أن أحد الموظفين السابقين بوزارة الدفاع الأميركية اعترف بأن سلاح الجو الأميركي كان قبل سقوط بغداد يعتمد بصورة رئيسية على نشاطات عميلي المخابرات الألمانية وكانا يعملان سراً في مقر السفارة الفرنسية بعد أن تم إغلاق مقر السفارة الألمانية. واستطاعت حكومة ميركل الثبات لأن اللوم موجه إلى الحكومة السابقة وليس إلى حكومتها لكن من المتوقع أن تطالب المعارضة بإقالة وزير الخارجية من منصبه. فيما يبدو للمحللين السياسيين أن أحزاب المعارضة تريد استغلال عمل لجنة التحقيق لتثبت وجودها. في الغضون وبعد شهر على تسلمها منصبها تتصدر ميركل قائمة السياسيين الأكثر شعبية مقابل تراجع شعبية المسئولين التابعين إلى الحزب الاشتراكي. وعززت شعبيتها بعد أن أدت دورها من دون أخطاء في السياسة الخارجية من خلال زيارتيها لواشنطن وموسكو. كما قالت في الحملة الانتخابية حققت ميركل وعدها وبدأت تجري تعديلات على السياسة الخارجية التي عمل بها سلفها. بعد عودتها إلى برلين وكانت أمضت 22 ساعة في واشنطن، أجمع المحللون الألمان على أنها أفلحت في فتح صفحة جديدة للعلاقات مع واشنطن وخصوصاً أن التوقعات من قبل الجانبين كانت كبيرة على غير عادتها. لم يسبق وأن ساءت العلاقات الألمانية الأميركية إلى الحد الذي بلغته في عهد المستشار شرودر. لا يعود هذا فقط إلى موقف ألمانيا الناقد لحرب العراق كما كان يشار إليه علناً، بل أيضاً نتيجة المعطيات التي فرضت نفسها بعد نهاية الحرب الباردة وخروج الولايات المتحدة عن مبادئ الحرب المناهضة للإرهاب التي انضمت إليها ألمانيا بعد إعلانها عقب هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 1002. هناك ارتباط سياسي واقتصادي واستراتيجي وثيق بين ألمانيا والولايات المتحدة، لا يؤثر عليه خلاف، لكن لم يكن سهلاً على شرودر حين كان في منصبه أن يسير في ركاب بوش حرصاً على موقف الشارع الألماني. واستنادا إلى ما توافر من معلومات وحقائق بشأن الموقف الخفي لشرودر فإن ألمانيا شاركت في حرب العراق بواسطة عملاء المخابرات الألمانية كما تعمل في عملية إعادة التعمير من خلال تدريب عناصر في جيش وشرطة العراق على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة. بتسلم ميركل السلطة انتهى الخلاف الذي كان محصوراً بين شخصين: شرودر وبوش. بالنسبة إلى ميركل شاء القدر أن تلتقي مع بوش الذي يتعرض داخل بلده لضغط متنام بسبب الخسائر البشرية التي تمنى بها القوات الأميركية في العراق وازدياد المطالب بسحب القوات الأميركية. فاجأت ميركل المراقبين بدعوتها واشنطن إلى إغلاق معتقل غوانتنامو، مشيرة في مقابلة نشرتها مجلة «دي شبيغل» قبل سفرها إلى واشنطن إلى أنه لا يمكن استمرار عمل هذا المعتقل. انه كلام يصدر لأول مرة عن مسئول ألماني يوضح أن ألمانيا الجديدة تدرك أنها في عصر السلام الذي تعيشه أوروبا لم تعد، خلافاً لزمن الحرب الباردة، بحاجة إلى حماية أميركية وأن العلاقة تعتمد اليوم على ترابط المصالح الاقتصادية في المقام الأول. بداية جديدة أيضاً في العلاقات الألمانية الروسية. الرئيس فلاديمير بوتين استمع من ميركل لانتقادات لعدد من المسائل في مقدمتها حرب الشيشان وقرار البرلمان الروسي تشديد الرقابة على المنظمات التي لا تتبع حكومات. على رغم أن ميركل تجيد اللغة الروسية التي تعلمتها في المدرسة بألمانيا الديمقراطية السابقة وكانت المادة المحببة لديها، مثلما يجيد بوتين اللغة الألمانية التي تعلمها حين كان عميلا للمخابرات السوفياتية(كي جي بي) في ألمانيا الديمقراطية السابقة. أصبح بوتين على يقين أن زمن شرودر ولى وجاءت ميركل المتأثرة بصباها حين عاشت في ظل حكم شيوعي ومثلما ذكرت فإنها ستشير دائماً إلى القضايا التي تستحق الانتقاد. غير أن العلاقات الألمانية الروسية يحكمها أيضا سلاح الطاقة الذي ثبت خلال النزاع الأخير بين موسكو وكييف. توضح نتائج زيارتي ميركل لواشنطن وموسكو أنها مهتمة قبل كل شيء بأوروبا وثانياً بعلاقات أفضل مع الولايات المتحدة وروسيا لكن ألمانيا الجديدة تريد أن يكون لها رأي ولا تعامل كما في السابق كعملاق اقتصادي وقزم سياسي. في القريب سيتعرف العرب على موقف ميركل تجاه مشكلة الشرق الأوسط حين تزور «إسرائيل» ومناطق السلطة الفلسطينية. أعلنت ميركل تعاطفها مع شارون الموجود على سرير الموت، وحين بلغتها تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التي قلل فيها من أهمية «الهولكوست» قالت ميركل إنها ستؤكد للإسرائيليين تضامن ألمانيا معهم. تحتل ألمانيا اليوم المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة كأبرز ممول للدولة العبرية

العدد 1231 - الأربعاء 18 يناير 2006م الموافق 18 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً