في حقبة الخمسينات من القرن الماضي وفي أيام الجيل الثاني والثالث من متعلمي المدارس النظامية، ظهرت فئة من الشباب ممن فضلوا التسكع في الشوارع على الالتحاق بصفوف الدراسة، أطلق عليهم البحرينيون آنذاك مصطلح «اللوفر» LOFER. هؤلاء «اللوفرية» كانوا في الواقع قليلي العدد، ولم يشكلوا خطورة كبيرة على الأفراد والمؤسسات والممتلكات الخاصة والعامة وكان أقصى ما يعملونه هو تشكيل مجموعات صغيرة والتعرض لأي شخص غريب إذا ما وطئت قدماه الفريق الذي يتحكمون في طرقاته و(دواعيسه)، وهمّهم الأكبر كان التجمع والتدخين والتردد على دور سينما أوال والزياني وبن هجرس لمشاهدة الأفلام الهندية والأميركية (الكوبوي منها) وتقليد ممثليها والتطبع بطباعهم والتسمي بأسمائهم وطريقة لبسهم وتسريحة شعرهم بهدف لفت أنظار الآخرين ومعظمهم كانوا في مرحلة المراهقة، إذ كان بعضهم يرى من ذلك الاستطراف طريقا الى لفت نظر الفتيات. على رغم كل ذلك فإن تصرفاتهم لم تكد تصل إلى درجة الإضرار والتخريب والسرقة. هؤلاء «اللوفر» كانوا في حاجة إلى التوجيه الصحيح الذي كان مفقودا في ظل ظروف أسرية واجتماعية واقتصادية صعبة للغاية. إذ كان هناك عامل أساسي غائب لدى الأبوين ألا وهو التعليم فكانت الأمية هي الطاغية وسيدة الموقف. في أيامنا هذه نرى صورة مغايرة تماما للماضي والأيام الغابرة... إنها صورة غوغائية إطارها العنف والفوضى والتخريب المتعمد من فئة شبابية مستهترة لا تعطي وزنا للمجتمع وقيمه. هذه الفئة تنقسم إلى عدة مجموعات «هوليغنرية» تخرج من تحت عباءات طبقات وشرائح اجتماعية مختلفة غابت عن محيطها أبجديات التربية الصحيحة والتقويم والتوجيه السليم.
خرج من تحت هذه العباءات نماذج شاذة منهم المدمنون وجماعات الجنس الثالث والماسونون وعبدة الشيطان... إلخ.
الحوادث الأخيرة هي بمثابة جرس إنذار لكل أركان المجتمع بوجود خلل تربوي، مجتمعنا وأسرنا هي المسئولة عنه ومن الضروري حشد طاقات البلاد الثقافية والتربوية على المستويات كافة لدراسة هذه الأوضاع الشاذة وإيجاد الحلول الجذرية لها قبل ان تتفاقم الأمور اجتماعيا وتتحول إلى ظاهرة مزمنة ملازمة لمجتمعنا.
بلدنا تزخر بالكفاءات في المجالات كافة، التربوية، والثقافية، والطبية الذين بإمكانهم تشكيل لجنة دائمة يدخلون في عضويتها ومعهم ممثلو منظمات الشبيبة والطلاب لحصر ودراسة الأوضاع الاجتماعية والرسمية والنفسية لتلك الفئات ومعالجتها بأساليب حديثة وإصلاح ما يمكن إصلاحه وإعدادهم للانخراط في الحياة العامة، وهنا تبرز فكرة إنشاء مدارس إصلاحية مجهزة بكل مقومات التربية الحديثة، تقدم الغذاء الروحي والمادي السليم لهؤلاء الشباب وتجعل منهم قوى منتجة في المجتمع بعد أن نجد لهم العمل المناسب ضمن إيجاد الحلول المناسبة لمشكلة البطالة التي يعاني منها الكثيرون، والبطالة كما نعلم سبب رئيسي لتفشي ظاهرة العنف والسرقات والانحرافات في المجتمع البشري.
هذا هو النهج السليم الذي يجب ان نسلكه في إصلاح الوضع الشبابي جذريا بدل ان نلجأ إلى البحث عن الحلقة الأضعف وتوجيه الاتهامات ظلما إلى فئة معينة من دون أخرى، وإشعال فتيل الفتن بين الناس ما يؤثر سلبا على عهدنا الإصلاحي ومسيرتنا الديمقراطية
العدد 123 - الإثنين 06 يناير 2003م الموافق 03 ذي القعدة 1423هـ