الذي يتساءل عن تلك الأعداد الكبرى من منتسبي أجهزة الأمن في النظم السياسية العربية مع أنها نظم مختارة بحرية من قبل أبناء الشعوب وبنسب في الغالب لا تهبط التسعينات، يتساءل عن طلابنا وطالباتنا العباقرة الذين يتخرجون من نظمنا التعليمية بالنسب ذاتها، إما أن النظم التعليمية العربية أصبحت بالية إلى درجة يمكن اعتبار مقرراتها من البديهيات، فلم يعد طلابنا وطالباتنا يحتاجون إلى بذل أي جهد يذكر في اجتيازها بسهولة. وإما أن النسب لا تزيد عن تلاعب تاريخي من مؤسساتنا التعليمية بالناس والعلم والمعرفة والثقافة على حد سواء. هذه النسب «العجائبية» تبعث على الاعتقاد بأننا أمام نهضة علمية ثقافية معرفية تكنولوجية ستنافس اليابان خلال عام أو عامين. وأن البنية الثقافية والمعرفية لخريجي منظوماتنا التعليمية العربية لا تقل عن بنية أي طالب في أي بلد صناعي من الدول الصناعية السبع، وطبعاً، لن تجد نظمنا التعليمية من حل جيد قبل أن تكون الطامة الكبرى وينجح الجميع بهذه النسب الخيالية، سوى أن تزيد من كمية المعلومات في مقرراتها الدراسية، وهو الحل التقليدي المعتاد. في الحقيقة، إن المعلومات بحد ذاتها لا قيمة لها، وخصوصاً إن لم تتمحور حول رؤية خاصة في التخاطب مع الذات والآخر والكون بكامله. فليست المشكلة في نظمنا التعليمية بشأن زيادة المعلومات، نحن نمتلك كمية كبيرة من المعلومات، لكن ما ينقصنا هو الحرية في التعامل مع المعلومات ونقدها، ولأننا أسياد مدرسة النقل والتلقين بامتياز، فإن زيادة صفحة أو صفحتين فيما سيقوم الطالب بحفظه عملية على مستوى عال من الغباء، المعلومات ليست بالضرورة معلومات فاعلة، ولا يمكننا أن نعتقد أن مجرد دخول النظريات إلينا، سنكون متموضعين في منطقة ثقافية ومعرفية فاعلة. بل هو المضمون ما يجب أن نهتم به. ثمة حصن وسياج طبيعي يتكون من القيم والمفاهيم والرموز والفلسفات والتاريخ. كل هذه الأشياء بصورة حقيقية تحمي الطلاب والطالبات أو تحفظ لهم طابعهم. وهي من تمنعهم من التعامل مع النظريات بشكل إيجابي. هذه المقدمة هي بمثابة نافذة أطل منها لأحاول «تخريب» ما يمكن تخريبه من منظومة المعلومات الجنونية التي لابد لأي طالب أو طالبة في أية منظومة تعليمية عربية من أن يحفظها بهوامشها. دائماً ما تنزح المؤسسة التعليمية إلى زيادة المقررات الدراسية من المحتوى، وكلما زادت نسب النجاح بالنسب المضحكة (99,9 في المئة)، اتجهت المؤسسة التعليمية إلى زيادة المقررات أو استبدالها بما هو أكثر مأسوية منها. ليس العلم وحده، ولا الدين وحده، ما يحتاجه المنظم لأية منظومة تعليمية حتى يكون إنساناً مبدعاً فاعلاً. ولنا في المهندس المتدين بن لادن، او في الطبيب المتدين الظواهري المثال الأفضل. وحدها الفلسفة ومعارف النقد الثقافي من تعطي الطلاب حقيقة الحياة والقدرة على التفكير والإبداع، وهي وحدها المعارف التي تستطيع أن تصنع من نسب التسعينات المضحكة «كلاماً فارغاً» لا معنى له ولا طعم. يكفي هذا «الحشو» الفارغ لعقول هذه الأجيال بحقائق وهمية، يصدمهم الواقع فيعرفون أنها ليست أكثر من أكاذيب كتب مدرسية. دعوهم يختلفون على فهم الأشياء ويطلقون لعقولهم فضاء التخيل والرفض والتعبير عن الرأي بحرية، علموهم الحرية، فلقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً... وكراساتكم الفارغة تستعبدهم.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1228 - الأحد 15 يناير 2006م الموافق 15 ذي الحجة 1426هـ