العدد 1228 - الأحد 15 يناير 2006م الموافق 15 ذي الحجة 1426هـ

«الترويكا» والملف الإيراني

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تبدأ اليوم في لندن لقاءات جمعت دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) والولايات المتحدة وروسيا والصين لبحث تداعيات أزمة الملف النووي الإيراني. وتهدف اللقاءات إلى الاتفاق على موقف مشترك تمهيداً لنقله إلى اجتماع مجلس حكام وكالة الطاقة الذرية في نهاية الشهر الجاري. وبعد ذلك يرجح أن تدفع الدول الكبرى في حال اتفاقها على موقف مشترك الملف إلى مجلس الأمن. الوقت قصير إذاً بين مناقشة أوراق الملف وبين الاتفاق على رفعه إلى مجلس الأمن. و يرجح ألا تطول المدة وقد لا تزيد على الأسابيع الأربعة. وبعدها يبدأ العد العكسي بين التصعيد وصولاً إلى الانفجار الكبير أو تخفيف حدة المواجهة توصلاً إلى تسوية تضمن حقوق إيران في إنتاج الطاقة السلمية مقابل ضمان مخاوف قوى إقليمية ودولية تشكك في أهداف المشروع. وبين هذا الاحتمال (التصعيد العسكري) وذاك (التسوية السلمية) مسافة زمنية تحمل الكثير من السلبيات والإيجابيات. حتى الآن تؤكد طهران حقها في بناء محطات لإنتاج الكهرباء لضمان نمو اقتصادها المستقل في المستقبل. وتؤكد أيضاً أن مشروعها مراقب دولياً ولم يخرج أبداً عن سياقه العام المتفق بشأنه مع «وكالة الطاقة الذرية». وحتى الآن وعلى رغم كل الضمانات والتطمينات تصر واشنطن على الشك بالبرنامج الإيراني وتواصل حملات تحريض وتأليب للدول الكبرى على مخاطر مفترضة. هذا الأمر يطرح سؤالاً: ماذا تريد الولايات المتحدة من حملتها تلك» ولماذا تصر على توريط المنطقة وزعزعة أمن الخليج في موضوع يمكن معالجته سلمياً والسيطرة عليه من دون حاجة إلى كل هذا الصراخ الدولي؟ هناك أكثر من إجابة. أولاً، لابد من مراقبة الدور الإسرائيلي في تحريك الملف والدفع الدائم باتجاه تسخين أوراقه، بذريعة أن إيران تعتبر من أعداء «إسرائيل». العامل الإسرائيلي يجب عدم إسقاطه من الحسابات الأميركية. ثانياً، لابد من مراقبة الموقع الأميركي في دائرة الخليج وحاجة واشنطن إلى تبرير استمرار وجودها العسكري في منطقة حيوية لأمنها السياسي واقتصادها القومي. ثالثاً، لابد من مراقبة اللوبيات (المافيات) التي تلعب دور القوة المؤثرة على قرارات «البيت الأبيض». وهذه اللوبيات تعتمد على كتلتين: الأولى شركات النفط. والثانية مؤسسات التصنيع الحربي. انطلاقاً من ائتلاف العوامل الثلاثة وهي أمن «إسرائيل» وأمن الخليج وتأمين مصالح اللوبيات (النفط والسلاح)، يمكن قراءة خلفيات الحماس الأميركي وفهم الأسباب التي تدفع إدارة جورج بوش إلى إثارة ملف يمكن معالجته من دون حاجة إلى نقله الى مجلس الأمن. حتى الآن تحاول واشنطن إخفاء مصالحها المباشرة والاختباء وراء أوروبا والتظاهر أمام الناخب الأميركي بأن مشكلة الملف النووي تؤرق العالم و«إسرائيل» وأنها مهتمة بمعالجته لأسباب لا تتعلق بها مباشرة. كذلك تدعي «إسرائيل» بأنها أيضاً ليست الطرف الوحيد المعني بالملف، وإنما هناك مخاوف دولية وأوروبية من احتمال تطوره وخروجه على الرقابة الدولية. كل فريق يدّعي أنه يتحرك لحسابات غيره، بينما حقيقة الأمر تتطابق مواقف أميركا و«إسرائيل» في هذا الشأن ولهما مصلحة مشتركة في تقويض المشروع الإيراني لضمان تفوق تل أبيب على مجموع المنطقة وتبرير استمرار الوجود العسكري الأميركي في الخليج إلى فترة طويلة. اليوم إذاً ستبحث الدول المعنية أمر الملف النووي الإيراني في لندن، وهناك قراءات مختلفة بين الأطراف المشاركة في اللقاءات للاتفاق على تقرير مصير مستقبل دولة تحاول أميركا منعها من اتخاذ مبادرات ترى فيها طهران أنها من حقوقها السيادية. مثل هكذا لقاءات تزيد من مخاوف إيران... ومن حق طهران أن تخاف، وتحديداً حين تصبح حدودها مطوقة بالقواعد العسكرية الأميركية من شمال الدولة إلى شرقها وغربها، مضافاً إليها تلك الأساطيل والحاملات في بحيرة الخليج في الجنوب. هذه المخاوف مشروعة سياسياً، وهذا ما يجب أن تقرأه دول الترويكا وأميركا وروسيا والصين بانتباه قبل أن تبادر إلى اتخاذ أية خطوة أو قرار على المستويين الأوروبي أو الدولي... وإلا فإن المنطقة مقبلة على خراب جديد.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1228 - الأحد 15 يناير 2006م الموافق 15 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً