العدد 1225 - الخميس 12 يناير 2006م الموافق 12 ذي الحجة 1426هـ

الوفاق التي ربحها الوطن

عبد الأمير الليث comments [at] alwasatnews.com

-

الشامتون في الوفاق يقولون إنها خسرت 4 سنوات من المقاطعة. أما الوفاقيون من أعضاء الهيئة الاستشارية الذين صوتوا بالتوصية على المشاركة فلسان حالهم قد يعكسه قول الشاعر الأيرلندي الشهير ييتس: «هل ينصب الخيال أكثر على المرأة التي ربحناها، أم على تلك التي خسرناها؟». ولا تذهبن بالقارئ الظنون بعيداً، فالمقصود من المرأة التي ربحناها «الوفاق» نفسها، أما التي خسرناها فهي السنوات الأربع التي قاطعت فيها الوفاق العمل النيابي، ويحلو للبعض أن يصفها تجنياً بالعجاف، وهي عوان بين ذلك وتلك في نظرنا. ولن نستبق الحوادث، فموضوع المشاركة والمقاطعة مازال في رحم الغيب، والقرار أمامه طريق طويل. وقد تداعى البعض في الوفاق إلى ترحيل المسألة برمتها إلى الهيئات المنتخبة المقبلة، ولكنني حاولت في هذه المقالة الوصول للتجلي، والتجلي مطلوب دائماً. يقول البعض إن تجليات الخيال ومفرزاته هي قيم إنسانية خالدة، وهي من أسباب وجوده الزماني والمكاني، وان الخيال سبيل من سبل تشيئ الأشياء. كما أن الخيال فعل فيه بعض من الإرادة والوعي، ومنه وبه تصاغ الرؤى. والتخيل عند آينشتاين أهم من العلم، وعلى ذكر الخيال نذكر أيضا الحلم ونمايز بينهما. فالحلم مطلوب، وهو شعار داعية الحقوق المدنية الأميركي مارتن لوثر كنج، لكن الحلم فيه الكثير من السكون وعدم اليقظة على رغم ما فيه من قوة دافعة. ومادمنا بصدد الولوج في عام جديد له استحقاقاته السياسية الوطنية الكثيرة، فمن حق الخيال علينا أن نستعرض بعض تجلياته الوفاقية. إن الوفاق التي ربحناها هي تلك الوفاق التي كانت موضع حديث وإطراء الصديق والناشط السياسي الذي لا ينتمي لتيارها أو مخزونها البشري. كان هذا الصديق في معرض تقييم الوضع السياسي بعد أن احتفت الوفاق بأسرة الشهيد الشاخوري قبل فترة، وكان حديثه منصباً على دور الوفاق الوطني، إذ نقل لزميلي ولي، بأن بعض أهل المحرق يرون أن صلاح البرنامج الإصلاحي الذي جاء به الملك وسلامته مرهون بالدور المخلص الذي تقوم به الوفاق وبصلابتها، بعدما عرف عنها من نكران للذات ومن ترفع عن تحقيق المكاسب الآنية الضيقة، وبأن على الوفاق أن تعي دورها هذا جيداً، فهي المؤهلة للتصدي للمحاولات المستمرة لحرف المسار الإصلاحي. ولا أحسبني مبالغاً إن قلت إن المقاطعة أتت بعض أكلها من حيث لا نحتسب، حتى وإن لم يتحقق منها شئ مما بني عليه قرار المقاطعة (المساءلة الدستورية). حينها أيضاً، وفي المجلس نفسه، عقبت على بعض ما تطرق الحديث إليه من أمور ومخاوف أخرى، قائلاً بأن الحكم على طائفية الوفاق لا يكون بالنظر إلى التكوين الهيكلي المجرد، ولكن بالكيفية التي يتم بها التعامل مع الملفات والقضايا والإغراءات والتهديدات. إن البرامج السياسية لأي كيان ما هي إلاّ تعبير عن مصالح المنظومات المجتمعية المنتمية له، والمنظومات السياسية/المجتمعية البحرينية الحالية ليست من صنع الوفاق، وإن حلا للبعض أن يلجلج في ذلك. لقد جاءت لحظة تدشين الوفاق مثل باقي الكيانات السياسية الأخرى، كتعبير عن أنساق ثقافية حاضرة ضمن أطر تاريخية، وبقاء المنظومات الطائفية الحالية مرهون ببقاء الأسباب والقوى التي تعمل على شق الصفوف وتكريس الواقع الطائفي من أجل استمرار وديمومة مصالحها غير عابئة بمصالح الوطن، بعد أن اختزلت مصالح الوطن في مصالحها، وأصبحت ترى أن كل صيحة عليهم هي بالضرورة صيحة ضد الوطن. إن ما أشار إليه الصديق، يعبر عن قناعة لدى كثيرين، وهي في تزايد، بالدور الوطني الذي يمكن أن تلعبه الوفاق، ويوضّح بجلاء ترسّخ الوفاق في وجدان الناس باعتبارها مشروعاً وطنياً لا طائفياً، على رغم كل المحاولات المستميتة التي تحاول أن تثبت عكس ذلك. هذه هي إحدى أهم حالات الوفاق التي تم ربحها، بعد أن رفضت أن تكون شاهد زور. الوفاق التي ربحناها تبددت أيضاً في أبهى حللها عندما قبلت التحدي، وقلبت الحسابات، فجعلت من توفيق أوضاعها مع قانون الجمعيات السياسية فرصة لتحويل العمل السياسي من منهجية (على البركة) إلى الحزبية السياسية التي تستدعي الإنضباط والمحاسبة وفصل السلطات، فجعلت من نظامها الأساسي الجديد شهادة ولادة ثانية لكيان متحرك يتقوى ذاتياً، يتمنى البعض أن تنتقل عدواه إلى المؤسسة الرسمية التي تتنادى بفصل السلطات، بينما يشهد الواقع تركيزاً لها. وعلى رغم مما لحق بالوفاق من عمليات جراحية قاسية بسبب المخاض الذي رافق التسجيل، إلاّ أن الخيّرين من الوفاقيين عازمون ليس على التجاوز فقط، وقد فعلوا، ولكن على أن يلتحق بالركب كل عناصرها التي شاءت أن تتخلف تخلفاً نرجو أن يكون مؤقتاً. هده هي الوفاق التي ربحناها وإن كانت خسرت حضوراً احتفالياً وجاهياً بالدرجة الأولى سرعان ما ستتبعثر أوراق دعواته المزركشة وتتوارى خجلاً، ويتبرأ حاضروه من تنسيبهم له بعد أن يتبين لهم ما هم فيه من غث. وعلى العكس من ذلك، سجّلت الوفاق في الفترة الزمنية نفسها حضوراً تاريخياً يتجاوز الأنانية والذاتية والآنية. أما المرأة التي خسرناها، وهي السنوات الماضيات الأربع، فلسنا بآسفين عليها بقدر أسفنا على ضياع سنين أخرى من عمر الناس تضاف إلى تلك العقود العجاف التي تلت الاستقلال. لقد كشفت الممارسات السياسية من بعد الميثاق لدى كل الأطراف عمق الملهاة وضحالة التجربة النيابية وهشاشة الكثيرين، بعدما تماهت حيثياتهم مع حيثيات صناع الطوائف والبؤس والفساد. والوفاق، حتى وإن هي أقدمت مستقبلاً على المشاركة، فهي لا تضع آمالاً كبيرة ولا تتلبسها حال من الوهم، لكنها لتنتقل من موقع عمل وطني استحق تقدير المخلصين غير الواهمين، إلاّ موقع عمل وطني آخر تعرف أنه غير محصن بل مكشوف تنداح منه وعليه الحجارة، وهي بذلك قد تعرّض نفسها للأذى أكثر مما قد تكسب، تحقيقاً وعملاً بمقولة «أخف الأضرار»، وذلك من أجل استمرار مسيرة الإصلاح وفاء للواجب الوطني. * كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "عبد الأمير الليث"

العدد 1225 - الخميس 12 يناير 2006م الموافق 12 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً