العدد 1224 - الأربعاء 11 يناير 2006م الموافق 11 ذي الحجة 1426هـ

الديمقراطية... لماذا تخشاها الأنظمة العربية؟

سعيد البصري comments [at] alwasatnews.com

-

الخوف ظاهرة طبيعية وأمر غريزي في الإنسان والحيوان على حد سواء، غير أن ما يحيّر المرء هو ذلك الخوف من أمر صالح وجميل، كما هو حال خوف أنظمتنا العربية من الديمقراطية، على رغم ما تمتلكه هذه الأنظمة من عدّة وعدد تستطيع أن تحفظ به أمن البلاد والعباد. فلماذا الخوف إذاً من هذا المصطلح الذي لعلـّه المصطلح الوحيد الذي يلعب على حبله الجميع، سواء من يحبون الديمقراطية ويحلمون بها، أو من يناصبونها العداء في الليل ويجهرون بحبها في النهار، أو من يعادونها ليلاً ونهاراً، وسراً وإعلاناً، حتى آكل لحوم البشر الدكتاتور سوموزا، حينما اتهم بعد الانقلاب عليه بالدكتاتورية نفى ذلك ونعت نفسه بالحمل الوديع الحريص على شعبه ووطنه!

من حقنا أن نتساءل إذا كان هذا هو الحال في النظرة إلى الديمقراطية حتى عند ألد أعدائها، فلم الخشية منها إذاً؟

هناك عدة فرضيات سأسوقها في محاولة للكشف عن سبب هذه الخشية، ولا أريد من خلال سوق هذه الفرضيات أن أبرىء ساحة نظام من الأنظمة، كما قد يتصور البعض، فلا يوجد نظام واحد على هذه المعمورة بريء بنسبة في المئة. نعم، هناك أنظمة تحترم الإنسان وتأخذ بمبدأ العدالة والمساواة، وتحاول جاهدة أن تكون أنموذجاً صالحاً، وهناك بالمقابل أنظمة دموية فاشية لا تعرف إلى الحق سبيلاً، ولا إلى المساواة دليلاً، تعيش على الظلم والقهر وسلب الحقوق.

ولعل الهدف من سوق هذه الفرضيات هو التأمل في الواقع ودراسة مختلف ما نعيشه من أوضاع بطريقة ثانية، لنعرف في نهاية المطاف كيف يمكن لنا أن نتعامل مع هذا الواقع أو ذاك، بناء على ما نحمله من فرضيات. ولستَ مضطراً أيها القارئ لتؤمن بهذه الفرضيات كلها أو بعضها، فقد يكون لك رأي آخر أيضاً.

الفرضية الأولى: أن من يخشى الديمقراطية لا يعرفها إلا كشكل بعيد عن المفهوم والمضمون، وبعيداً عن الممارسة العملية، وعن الأبعاد الحقيقية المترتبة عليها، ولو عاشوها واقعاً لما حادوا عنها قيد أنملة.

الفرضية الثانية: أنهم على العكس تماماً، يعرفونها حقّ المعرفة ويدركون أنها السبيل الأمثل لحفظ الأمن والنظام ورفاهية الشعوب واستدامة الحكم، ولكنّهم يرون أن في الأخذ بها تهديداً لمصالحهم ولمواقع نفوذهم، وانتقاصاً لأطراف حدودهم؛ لذلك يخشونها ويتصدون لها بكل قوّة للحيلولة دون تحقيقها، ولكنهم مع ذلك - ومن أجل المواربة والمداراة - يتغنون بها نهاراً ويعملون ضدها ليلاً.

الفرضية الثالثة: أن طبيعة الحياة التي عاشتها تلك الأنظمة لم تكن قائمة على مبدأ التعددية والحرية والمساواة، وإنما كانت قائمة على مبدأ السيد والمسود، والآمر والمطيع. ونظراً لكون هذه الطبيعة استمرت لعقودٍ من الزمن حتى اصطبغ بها الحس والعقل والوجدان، لذلك من غير اليسير أبداً أن تتحول تلك الأنظمة بين عشية وضحاها إلى النمط الآخر القائم على مبدأ العدالة والمساواة والتعددية؛ لأن في ذلك - كما تتصور هذه الأنظمة - كسراً لإرادتها وإضعافاً لمراكز نفوذها. بل قد يصل الوهم بها إلى حد الاعتقاد أن الديمقراطية هي بمثابة الوحش أو الغول الذي سيفتك بها ليخرجها من دائرة الضوء والنفوذ إلى دائرة الضياع والنسيان.

الفرضية الرابعة: التوهم الكبير - بحسن نية أو بغير ذلك - بأنها هي الأقدر على إدارة دفة البلاد والعباد، والتحكم في المفاصل والعظام؛ لأنها تمتلك الخبرة المتأتية من الممارسة الطويلة، وتخشى أن ما حققته من إنجازات كبيرة قد تذهب أدراج الرياح على عتبات الديمقراطية المزعومة! تماماً كما يتحكم البعض منا في هذا الشأن أو ذاك، وكأنه يتعامل مع إرث ورثه أو غنيمة اغتنمها؛ اعتقاداً منه بأنّه الأصلح والأكفأ على إدارته.

هذه هي بعض الفرضيات وليس كلها، ومن المفيد لنا ونحن نسوقها أن نحسن - نحن الشعوب العربية - التعامل مع الأنظمة الخائفة من الديمقراطية، على رغم إيمان الكثير منا أن مثل هذه الفرضيات لا ينبغي أن تكون قائمة ونحن نعيش القرن الحادي والعشرين، بكل ما يشهده من تطورات على مختلف الصعد، فإنه لا يمكن لنا أن ننكر الواقع القائم ونتعامى عنه أو نقفز عليه، إذا ما أردنا أن نسير في الاتجاه الصحيح؛ لأن تغيير الواقع لا يكون إلاّ من خلال أدوات الواقع، وانه كلما كانت الشعوب قادرة على الإمساك بهذه الأدوات بالشكل الصحيح وتحريكها بالشكل المطلوب، كلما تمكنت من تخطي درجة مهمة في سبيل الارتقاء إلى القمة التي تتربع على عرشها الديمقراطية المحبوبة.

لقد آن الأوان لأن تستفيد الشعوب من مختلف التجارب التي عاشتها ولاتزال تعيشها، ولعل من المفيد أن نتذكر - نحن أبناء البحرين - أن خطأ استراتيجياً ارتكبناه خلال تجربة ماضية أدت بنا إلى حل البرلمان سنة ، لتتوقف تجربة وليدة كان يمكن لها أن تتطور وتنمو وتزدهر، ويفسح المجال في الطرف الآخر لتشريع ما يشاءون من الأنظمة من دون رقيب أو حسيب، وحتى لا ينطبق علينا قول الفيلسوف الساخر برنارد شو: «لم تعمل الشعوب شيئاً في سبيل العلم والحرية عدا الحرب، وقد تفنى فيها ويبقى الهدف بعيداً!» فعلينا أن نعي خطورة المرحلة وننظر إلى الأمور بعين بصيرة وعقل نافذ وقلب منفتح، في سبيل الارتقاء إلى الديمقراطية المحبوبة

العدد 1224 - الأربعاء 11 يناير 2006م الموافق 11 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً