الإنسان كتلة من المشاعر والعواطف متجهة نحو المستقبل بوتائر وسرعات مختلفة المدى من تلك التي تفوق الضوء إلى تلك الهامدة بحسب البيئة الداخلية؛ أي العقلية، والبيئة الخارجية في شتى مراحل حياة الشخص. إذا ما برز هذا الكلام كفلسفة عميقة ذات مغزى خارج نطاق صفحات المال والأعمال، لنعلم أنه لا يوجد شيء يمكنه الفرار من سبب وجودي ذي جذور متصلة ببعضها بعضاً، فكل شيء مرتبط بالآخر فيما يمكن تسميته بشبكة الحياة. في سياق هذا التوضيح (أو التشويش، كما يسخر البعض!) أود أن أتحدث عن مسألة تلازم بعض الناس، وخصوصاً الشباب. هذه المسألة تتعلق بالتوقعات. وهنا كلمة التوقعات تعني كل ما نراه وارداً محتمل يمكن الحصول عليه في المستقبل. المشكلة لا تكمن في التوقعات، فهي بمثابة سفير للمستقبل، دبلوماسية بقدرتها على عدم الرد بكلمة نعم أو لا. المشكلة هي في الاسلوب الذي يعتمد عليه الإنسان في تشكيل توقعاته التي تدير سلوكه في تقدمه نحو المستقبل.
التوقعات تحيط بنا في كل أمور الحياة، من تلك الشخصية إلى تلك التي تخص الأعمال والاستثمار. نقوم بصفتنا أصحاب قرار بالتوجه نحو الأعمال التي نتوقع منها أفضل تحصيل. والتوقعات توجد في أبسط الأمور، مثل اللقاء مع عميل أو زبون جديد، أو أعقدها، مثل إدارة محفظة استثمار. وبما أن لمعظم الأمور متغيرات مختلفة تؤثر على النتيجة، يجب أن نأخذ في عين الاعتبار دائماً أن توقعاتنا هي مجرد احتمالات وليست حقيقة ثابتة غير قابلة للاختلاف.
عادة الاسلوب المعتمد لاستجواب المستقبل وبناء توقعاتنا هو استشارة الواقع الحالي ومحاولة تحليل النتيجة الممكنة. الخطأ هو أن نقوم بتحليل منحاز للنجاح بدلاً من تحليل متزن بين النجاح والفشل. كما أن لليوم نهاراً وليلاً ولكل صفحة وجهين، تتعلق بكل قرار نتائج إيجابية وسلبية. نجد الشخص الذي بنى أحلامه ومستقبله على جرعات تفاؤل زائدة، ويعتبر مضمون توقعاته «نعم«، ينهار حالاً حينما يخيب الواقع آماله.
السبب هو عدم التهيؤ لاحتمال الفشل مثل التهيؤ للنجاح. من جهة اخرى، نجد أن أولئك الذين عملوا على فهم ما يمكن حدوثه في المستقبل قادرون على سيطرة انفعالاتهم في حال الفشل، وغالباً ما يستعيدون قواهم عاملين على تعديل المشروع أو الاستثمار أو الشروع في عمل آخر.
مثال على هذا، لدينا المندوب الذي يزور عميلاً معتقداً بأن كل ما سيقوله سيتقبله العميل والنتيجة ستكون إيجابية. المشكلة تحدث عندما يخالف الواقع توقعات المندوب، ونرى أن العميل يتردد كثيراً. في هذه الحال تكون الصدمة أكبر إذا لم يستعد المندوب لرد العميل السلبي، ويتوتر ولا يقدر على إيجاد نقطة تفاهم تعيده على مسار النقاش السلس والارتجالي. أما إذا فكر المندوب في النتائج المحتملة، ومنها التوقعات السلبية، فبإمكانه التهيؤ عقلياً ونفسياً. كذلك الأمر للمستثمر في المشروعات أو الأسواق المالية. كلما تيقنت بالاحتمالات من الجانبين الإيجابي والسلبي واحترمتها بعدم الإفراط بالتفاؤل، يمكنك المتابعة بسرعة ومن دون إحباط قد يشل قدرتك على الوقوف.
نسمع الكثير عن عدم خلط المشاعر بالأعمال، ولكننا نعترف بأن التفاؤل شعور طيب، والمشاعر الطيبة نعمة لا نقمة في كل أمور الحياة، وهي التي تولد حركتنا نحو مستقبل أفضل. المهم هو ألا نسيء استعمالها ونضبط أنفسنا في جميع الحالات بالعلم بأن المستقبل كامن في المجهول، والمجهول يا عزيزي القارئ، هو النهار والليل، الصفحة ذات الوجهين. فلنكن مستعدين للسير أو الكتابة في كلا الأمرين. كل عام وأنتم بخير
العدد 1223 - الثلثاء 10 يناير 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1426هـ