العدد 1222 - الإثنين 09 يناير 2006م الموافق 09 ذي الحجة 1426هـ

أبومرعب اللبناني دائماً «يحط في البير»!

الوصاية السورية على لبنان لم تكن متفردة

حسن أحمد عبدالله comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أبومرعب الكبير كان دائماً «يحط في البير» (البئر)، ولم يكن يعير أمر أي شيء في الحياة اهتماماً لأنه «بيأخذ شوره (المشورة) من التاريخ». وكان يقول: «بتريد تتعلم جد ما تتزلم لحد» (لأحد). ولأنه تعلم جد لم يكن محسوباً على أحد في البلدة، ولذلك اختير بالاجماع مختاراً لأنه «أضاع مفتاح باب البيت فتركه مفتوحاً أمام كل الناس» كما كانت تقول أم مرعب. وكانت تستطرد دائماً: «شو بدك من الحكي، البال المرتاح أحسن من بستان تفاح»!

ولم يكن في البلدة من يستطيع حل لغز الربط بين البال المرتاح وبستان التفاح، هل لأن القافية استقامت مع أم مرعب أم لأن راحة البال أثمن من بستان تفاح، إذ يمكن أن يصاب الموسم بالكساد فيتحول التفاح من ثروة إلى نقمة وقلق وعدم راحة بال؟!

بين مثل أم مرعب وحيادية أبومرعب كانت البلدة تعيش مرحلة من أكثر المراحل استقراراً في تاريخ المختارية منذ أن وجدت في العهد العثماني. وعلى رغم كل الحوادث التي عاشتها البلدة، كان المختار لا يهتم كثيراً بتطورات الحوادث ويعمل على حلحلة الأمور بما تيسر من اللياقات التي لا تخلو منها بلدة تتشابك فيها علاقات القربة والمودة إلى حد بعيد.

في خضم الحرب اللبنانية تعددت الأحزاب والحركات السياسية وبات لكل تنظيم أو حزب مريدوه في البلدة. وعندما غزت ظاهرة حمل السلاح لبنان كان للبلدة نصيبها من ذلك. وذات يوم اختلفت أم مسعود وأم فارس على أولوية كنس الطريق أمام بيتهما، بالمناسبة كان هذا الخلاف لا ينتهي فصولاً أبداً، ولم يكن يشكل في البلدة أية أهمية لكثرة معاركه، لكن مع وجود السلاح في أيدي الناس بات أي خلاف ينذر بعواقب وخيمة. ولذلك تطور الخلاف بين أم مسعود وأم فارس إلى معركة بين تنظيمين سياسيين، وانتصر كل تنظيم إلى فريق من الفريقين، ولأن مسعود من أنصار أحد التنظيمات الثورية وفارس ينتمي إلى تنظيم محافظ، اندلعت حرب الألسن في البداية وتطورت إلى عراك بالأيدي والأواني المنزلية واستخدمت فيها الطناجر كأسلحة بيضاء ثقيلة. ومع اشتداد العراك لعلع الرصاص في سماء البلدة، وفجأة انتصرت الأحزاب المتآلفة عقائدياً إلى الفريقين المتخاصمين، أي كل حزب انتصر لقريبه العقائدي، واشتعلت الحرب التي أودت بحياة أحد مناصري التنظيم الذي ينتمي إليه فارس وسقط من التنظيم الذي ينتمي إليه مسعود ثلاثة جرحى، بالإضافة إلى الخسائر المادية التي كانت بالنسبة إلى أم نجيب أفدح الخسائر. لا بل إن المرأة اعتبرت خسارتها أكبر بكثير من الخسائر في الأرواح، وكانت تعلل ذلك بالقول: «الشاب الذي قتل وفر على أهله مصروفات المدارس والطبابة واللبس، والجرحى يتعافون من جروحهم مع الأيام وربحوا فحوصات مجانية من المستشفى... شو يعني ابن أبودجاج كان بيحلم يفوت على المستشفى ويتصور أشعة ويسحبوا منه دم ويعرفوا أنه عنده سكري لو ما كانت الرصاصة ضربت يده؟».

كلام أم نجيب نجيب الكلام بالنسبة إلى أم لطفي لأن «المخلوقة سنة توفر ثمن الثلاجة والغسالة والتلفزيون وفجأة برصاصة صغيرة بيحترق البيت وبتخسر جنى العمر»؟ بيت أم نجيب كان عبارة عن غرفة واحدة بالإضافة إلى مطبخ وحمام. وكانت ورثته عن والدها الذي زوجها وهي في السادسة عشرة من العمر وهاجر إلى البرازيل ولم يعد.

أبومرعب كان من أشد المتعاطفين مع أم نجيب وحاول أن يساعدها بالتعويض عليها عبر التبرعات، لكن المبلغ الذي جمع لم يكن يكفي لشراء غسالة وأسقط بيد الرجل الذي باتت زوجته قلقة من سر هذا التعاطف مع أم نجيب من قبل زوجها، وأخذت تتسقط أخبار المرأة بطريقتها الخاصة واشتعلت الغيرة في صدرها ووصل الأمر إلى حد المطالبة بالطلاق. إلا أن الكبير «حط الأمر في البير» وكتب رسالة مؤثرة إلى مرعب المهاجر إلى إفريقيا من أجل الضغط على أمه لتتراجع عن قرارها. وأخيراً افلحت الاتصالات والمشاورات الجانبية في إعادة الوئام إلى بيت أبومرعب.

لم يكن الوفاق الذي تم إنجازه وفاقاً راسخاً «لأن الغيرة تخبو نارها لكنها لا تنطفئ»، وقيل قديماً «غيرة المرأة على قدر لذتها وشعورها بالاطمئنان في كنف زوجها». وأضافت أم فتحي «وإذا كانت متأكدة أن شريكها بالحياة متعلق فيها بتصير مثل الطفل الصغير تتدلع وتخرب كل شي لأنها مطمئنة إلى أن شريكها لن يزعلها»، لكن أم نبيل قالت: «ضحكت أم سمير على زوجها وأخذت كل شي وكانت مرتبطة بعلاقة مش كويسة مع ابن الطحان، وهربت معه وتركت وراها ثلاثة أولاد مثل القمر... القصة قصة نفوس والفلوس بتعمي البصيرة... قومي اعملي قهوة يا نظيرة».

الجدال الذي دار في البلدة آنذاك لا يختلف كثيراً عن الجدل السياسي الدائر في لبنان والمنطقة. ولا تكاد الأمور تصل إلى مشارف الحلول حتى ينكأ هذا الطرف أو ذاك جرحاً ما ويعيد الأمور إلى المربع الأول. ودائماً أبومرعب (الشعب) يحط في البير ويتجاوز مماحكات السياسيين وألاعيبهم الصغيرة التي لا تخرج في بلد مثل لبنان عن حسابات صغيرة مرتبطة بمصالح تتأرجح بين الخاص جداً والانتخابات، وما أدراك ما الانتخابات في لبنان! هذه الانتخابات التي من أجلها يرخص الغالي ويغلى الرخيص!

تطرح اليوم قضية رئيس الجمهورية اللبنانية على بساط البحث بعد أن أعلن البطريرك الماروني أمام الرئيس موقفه بصراحة في قداس عيد الميلاد من مقر البطريركية المارونية في بكركي (شرق بيروت)، وللعلم فإن المرجعية الدينية لأية طائفة في هذا البلد تعتبر أبناء الطائفة المشاركين في الحكم من الموظفين عند المرجعية (ضمنياً وليس علنياً) ومادام البطريرك قال كلمته فإن على الرئيس أن يبحث عن مخرج ينسجم مع كلام البطريرك حتى لا يقع الحُرم الكنسي عليه، أو حتى لا يصبح بلا غطاء من طائفته، ما يعني تركه في مهب القوى السياسية اللبنانية التي حمّلته مسئولية القلاقل الأمنية التي يشهدها لبنان حالياً، باعتباره نتاج «الوصاية السورية على لبنان».

لكن الوصاية السورية لم تكن في يوم من الأيام وصاية مطلقة ومتفردة، بل كانت وصاية بالشراكة مع آخرين، مرةً مباشرة ومرةً مداورة، وكان الشعب الكبير وكما غنت فيروز «الشعب العنيد» دائماً «يحط بالبير» حتى عندما نطح سعر صرف الدولار الأميركي باب الثلاثة آلاف ليرة لبنانية «حط الشعب بالبير» ودفع الفرق من قوته بكل طيبة خاطر.

وكان لبنان دائماً وكما غنت «لبنان الكرامة» إذ نحن لا نريد وصاية من أحد، لأننا نستطيع حكم أنفسنا، لكن لا بأس أن نستمع إلى رأي السفير الأميركي والسفير الفرنسي ونستأنس برأي السفير البريطاني! وإذا أراد العرب إبداء رأيهم اتهموا بأبشع الاتهامات، لأننا لا نستطيع أن نخالف رأي الحكماء الأجانب، ونستطيع التعبير بالفرنسية أو الإنجليزية أكثر من العربية. فنحن يا عزيزي تخرجنا من مدارس الإرساليات ومن «علمني حرفاً كنت له عبداً»! لكن «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً» حسبما قال الخليفة عمر بن الخطاب (رض)، وعلى رغم ذلك بقي لبنان المشرعة أبوابه على كل الجهات «لبنان الكرامة والشعب العنيد».

لبنان الآن يبحث في قانون انتخابات، وإذا صدقت الإشاعات فإن القانون العتيد موجود الآن في أدراج الخبراء الذين رصدت لهم السفارة الأميركية موازنة لا بأس بها من أجل إخراج قانون يكون منسجماً تماماً مع التوجه الأميركي في المنطقة. وعنوان القانون الجديد، ودائماً بحسب الإشاعة، «لبنان دائرة انتخابية... توجد التوازن بين المسيحيين والمسلمين عبر انتخاب المسيحيين لممثليهم والمسلمين كذلك والتخلص من عقدة الأصوات المشتركة والكتل الانتخابية المعطلة لممثلي الطوائف الأخرى»، أي أن «الناخب المسيحي في دائرة بنت جبيل مثلاً لن ينتخب بحسب القانون الجديد (ودائماً بحسب الإشاعة) النائب الشيعي وسيكون له ممثله المسيحي «أي أن الانتخابات ستكون انتخابات الصفاء الطائفي». ولأن التمثيل الوزاري في لبنان يكون طائفياً فإن الفيدرالية الطائفية ستتحقق عبر القانون «السري جداً الذي سيخرج في الوقت المناسب إلى النور»! ودائماً الشعب الكبير «يحط بالبير» حتى إن ذهب البلد إلى الخراب لأن «اللي ماله كبير ماله تدبير». وزعماء السياسة في لبنان ومهما كانوا صغاراً يبقون في نظر أنصارهم كباراً. والسؤال: من يعوّض على لبنان كل ما خسره من المماحكات السياسية والمزاوجة بين المصالح الانتخابية ومتطلبات التجارة؟

العدد 1222 - الإثنين 09 يناير 2006م الموافق 09 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً