الاتصالات المتوازية التي بدأها الرئيس حسني مبارك بعد إعلان نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام انشقاقه عن النظام وذهابه بعيداً في المعارضة... بدأت تظهر معالمها بعد غموض سياسي سيطر على لبنان والمنطقة في الأسبوع الماضي.
الاتصالات المصرية بدأت في دمشق وانتقلت إلى باريس بهدف احتواء تداعيات القنبلة الصوتية التي فجرها خدام من العاصمة الفرنسية. كذلك استهدفت الاتصالات تطويق احتمالات تفجير العلاقات اللبنانية - السورية في ضوء تزايد الضغوط الدولية على بوابة دمشق من خلال الملفين العراقي ولجنة التحقيق بشأن اغتيال رفيق الحريري.
لم تذهب الاتصالات المصرية هباءً. فهي أعادت تنشيط خط الثنائي السعودي السوري بغية وقف التدهور المحتمل على مستوى تفكك «النظام العربي» واضطراب علاقاته. وعلى هذا الأساس جرت الاتصالات بين دمشق والرياض واعيدت السخونة إلى خط الثنائية الذي شكل نقطة توازن عربية في فترات مختلفة مرت فيها المنطقة في نهاية القرن الماضي.
حتى الآن لم تستقر ملامح الصورة ولكن الخطوط العامة تشير إلى وجود محاولات لضبط عناصرها في سياق تجديد الحياة للمحور الثلاثي المصري - السوري - السعودي الذي ظهرت قوته السياسية في العام . ففي تلك السنة وصل التوتر اللبناني - اللبناني إلى ذروته وبات الكيان في وضع قلق ولم يعد بالإمكان احتواء انزلاقه إلى الحرب الأهلية من دون تدخل خارجي. وكان لبنان آنذاك امام مفترق طرق اما استكمال المواجهة الداخلية مدعومة من أطراف فلسطينية وصولاً إلى انقسام الكيان وتفكك الدولة إلى إدارات محلية متنافرة ترعى شئون الطوائف والمذاهب، واما اعطاء فرصة للدور العربي بالتدخل عسكرياً لضبط انفلات الوضع الأمني وإعادة تنظيم العلاقات الأهلية وربطها مجدداً بالدولة التي انكمشت على نفسها.
شكل الخيار العربي للتدخل الملاذ الوحيد لمنع انزلاق البلاد نحو المزيد من الانهيار والتفكك. وعلى هذا اتفق على تشكيل «قوات ردع عربية» تتمتع بغطاء دولي وتملك صلاحيات للتدخل ميدانياً لوقف الاحتراب اللبناني المدعوم فلسطينياً.
نجح التدخل العربي آنذاك في وقف الانهيار ولكنه سرعان ما انفك إلى معسكرات متقاتلة بعد خروج مصر (انور السادات) من المعادلة العربية اثر زيارة الرئيس المصري «إسرائيل»، ثم انتقاله لاحقاً إلى الولايات المتحدة وتوقيعه اتفاقات «كامب ديفيد».
الخروج المصري على الاجماع العربي اطلق سلسلة انقسامات شجعت على زعزعة أسس الاستقرار في «النظام العربي» وأعادت إنتاج الحروب في لبنان ودفعت مجدداً بالبلد الصغير إلى حالات اقتتال أسفر عن قيام إدارات محلية تدير شئون مناطقها الطائفية والمذهبية... واستمر الأمر على حاله يتجاذب فرقاء الصراع صعوداً وهبوطاً وصولاً إلى اجتياح لبنان في العام وخروج منظمة التحرير من المعادلة ثم نهوض المقاومة انتهاء بطرد الاحتلال في العام .
السؤال هل يعاد إنتاج تلك الصيغة الثلاثية (السعودية، المصرية والسورية) على صورة العام ام ان هناك تعديلات واضافات يمكن أخذها في الاعتبار؟
صورة الواقع تغيرت. فما كان من عناصر موجودة في إطار المعادلات الدولية آنذاك تبدلت وظهرت مكانها مجموعة قوى وبدائل. فدولياً لايزال لروسيا موقعها ولكن قدرتها على التدخل تراجعت لمصلحة نمو دور ما للاتحاد الأوروبي.
إلا أن دول الاتحاد ليست متفقة وهي تتنافس على استعادة مواقعها السابقة في بلاد الشام وبلاد الرافدين بالمشاركة والمحاصصة مع الولايات المتحدة. ولهذا السبب يمكن ملاحظة تلك الاتصالات والتحركات المتسارعة على خطوط متوازية بين فرنسا وبريطانيا من قريب... والولايات المتحدة من بعيد.
حتى الآن لم تتضح معالم الصورة. إلا أن عودة التحالف الثلاثي (السعودي، المصري، والسوري) إلى تنشيط اتصالاته يؤشر إلى وجود محاولة عربية للتدخل لوقف الانهيار اللبناني واحتمال تفكك الكيان من جديد. إلا أن عناصر الصورة لن تكون كما كانت في العام . فهناك الكثير من المتغيرات طرأت على المستويات الدولية والإقليمية والعربية وهي كافية لإعادة إنتاج تسوية ليست بالضرورة متطابقة ولكنها لن تكون بعيدة جداً عن ملامحها
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1222 - الإثنين 09 يناير 2006م الموافق 09 ذي الحجة 1426هـ