العدد 122 - الأحد 05 يناير 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1423هـ

ما هكذا يكون الدفاع عن السعودية

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الحكومة الأميركية ما زالت ماضية في حملتها ضد بلادنا بهدف ابتزاز هذه البلاد ودفعها لتحقيق المصالح الأميركية مهما كانت هذه المصالح ومهما كان موقف بلادنا منها. والأميركان لا يتركون وسيلة ابتزاز إلا استخدموها مهما كانت هذه الوسيلة، ولعل اتهامهم لزوجة السفير السعودي في واشنطن بمساعدة بعض الإرهابيين - حسب زعمهم - يمثل جزءا من هذا الابتزاز الرخيص. أما حديثهم عن الجمعيات الخيرية وأموالها فحدث ولا حرج فهذه الاموال - حسب افتراءاتهم - يذهب جزء منها لأيدي الإرهابيين وبالتالي فإن الأميركيين يطالبون بفرض رقابة صارمة على هذه الأموال. ولا استبعد مطلقا أن يطالبوا بإعطائهم قوائم مالية عن مصروفات هذه الجمعيات ومتابعة هذه المصروفات كي تطمئن قلوبهم. وأجزم أنه لو تم لهم ذلك فلن يتوقفوا عن مطالبات أخرى تمكن لهم في بلادنا محاولين فرض سيطرتهم على بعض الامور التي لا يحق لهم التفكير فيها.

هذه المحاولات كان ينبغي أن تقابل بحزم وبرفض مطلق لكل ما لا يجوز التفريط فيه حسب القوانين والأعراف الدولية، فليس لهم الحق أن يتجاوزوا حدودهم مهما كانت المبررات ولا ينبغي أن نفرط في حقوقنا مهما كانت المبررات كذلك. إن ما نشرته بعض الصحف ووكالات الأنباء نقلا عن عادل الجبير لا يمكن تبريره بل ولا يمكن قبوله، فعلى ذمة هذه الصحف يقول الجبير: «لقد كنا ضعفاء في متابعة الأمور المالية للجمعيات الخيرية». ويقول كذلك في مقابلة له مع شبكة «سي إن إن» إن: «بعض الجمعيات الخيرية ليس لها ما يكفي من آليات الرقابة». هذا القول رفضته كل الجمعيات الخيرية في بلادنا إذ أكد المسئولون فيها أن لديهم حسابات دقيقة وأن الأموال التي لديهم تذهب لمستحقيها ولم يصل منها شيء لمن يسميهم الأميركان بالإرهابيين، وكرر هذا الكلام مرارا كثيرة ولست أدري من أين جاء الجبير بهذه المعلومات التي ينفي فيها ما ذكره أهل الاختصاص عن جمعياتهم. يعود الجبير مرة أخرى ليقول: «على رغم أن الحكومة السعودية ليس لديها دليل على أن بعض الأشخاص أو المؤسسات تنقل أموالا إلى الإرهابيين إلا أنني مقتنع أن بعض هذه الاموال تصل إلى أيديهم بطريقة مباشرة أو تصلهم بطريقة لا شعورية من الممكن أن يكون الوضع هكذا، لا يمكنني أن أثبت النقيض».

ما شاء الله على هذا التحليل وعلى تلك الاستنتاجات فإذا كانت الحكومة السعودية - كما تقول - ليس لديها دليل على أن بعض تلك الأموال تذهب إلى الإرهابيين فكيف يكون لديك أنت شك فيما ذهبت إليه الحكومة، ومن أين جئت بهذا الشك وما مصدره وما مبرراته؟ وإذا كنت لا تستطيع أن تثبت النقيض كما تقول أفلا تستطيع التزام الصمت في هذه المسألة؟ وهل تظن أن هذه الشكوك التي حاولت إيجادها سترضي الأميركان وتجعلهم يقتنعون بصحة ما تقوله؟ أظنك تخطئ إذا كنت تظن هذا الظن؟ رمي الاتهامات جزافا ليس بالامر الهين خصوصا على أبناء بلدك الذين يواجهون حربا ظالمة من الأميركيين فهل يجوز لك أن تضع في أيدي أعدائهم مادة يستخدمونها ضدهم خصوصا إذا كانت هذه المادة غير صحيحة؟

وفي هذا السياق يمضي الجبير فيؤكد أن المملكة أوقفت مساعداتها لأسر الاستشهاديين وقال في هذا الصدد: «نحن لا نشجع العمليات الاستشهادية. إن المفتي الأكبر في المملكة العربية السعودية ندد مند أكثر من عام بالعمليات الإستشهادية واعتبرها غير أخلاقية». مرة أخرى لست أدري عن أي شيء يتحدث الجبير ولست أدري كلامه هذا هل يمثل نفسه أم المجتمع السعودي والحكومة السعودية؟ فهو يقول: «لا نشجع العمليات الاستشهادية». فهل (نحن) هذه التي جاءت بصيغة الجمع للتعظيم أم أنها تمثل المجتمع أم الحكومة؟ وعلى كل الأحوال فكلامه غير دقيق فإذا كانت هذه العمليات استشهادية كما وصفها فالكل مجمع على أهميتها وجوازها بما ذلك المفتي، ولكن إذا اعتبرها الجبير عمليات «انتحارية» فهذه التي جرى الاختلاف في حكم القيام بها، وأكد علماء المسلمين على أنها جائزة بل واجبة شرعا إذ ليس هناك بديل عنها في ظل الاحتلال الاسرائيلي لأراضي المسلمين. وواقع التاريخ الإسلامي على طوله يؤكد جوازها وأنها من أفضل الأعمال الجهادية، فلماذا يصر الجبير على وصفها بأنها عمل غير أخلاقي ومن أن المفتي قال هذا؟ إن أعداءنا يصرون على تسمية هذه العمليات بأنها «إرهابية» فهل يصح أن نوافقهم على هذه التسمية؟ وهل يصح أن نوافقهم على احتلال أراضينا من دون أن نحرك ساكنا خوفا من هذه التسمية أو مثيلاتها؟.

الشيء الذي لا أشك فيه أننا مهما قدمنا ومهما عملنا فلن يرضى عنا هؤلاء انهم سيطالبون بالمزيد، إن أقوالهم وأفعالهم تؤكد هذه المقولة، مثلا ما جاء على لسان المتحدث باسم وزير المالية الأميركي الذي يقول: إنه يقدر التعاون السعودي في مجال مكافحة الإرهاب وانه مسرور كون الحكومة السعودية عازمة على عمل المزيد في المستقبل. ولسنا ندري ما هو «المزيد» الذي يأملون تحقيقه؟ فإذا كانت الحكومة السعودية قاومت الإرهاب بكل ما لديها أفلا يكفي هذا؟ وهل مزيد فوق هذه المقدرة؟ لكنه الابتزاز الذي لا يقف عند حد. مسئول أميركي آخر يصرح لمجلة «تايم» بقوله: «إن السعوديين يساعدوننا أكثر من ذي قبل ولكن ليس بالقدر الذي نريده». ولم يقل - 1يحفظه الله - ما القدر الذي يريده؟ ولسنا ندري أيضا هل لهذا القدر نهاية أم أنه مفتوح لا نهاية له؟ ثم هل بلادنا مطالبة بتنفيذ ذلك الذي يريده؟ مصادر برلمانية أميركية تحدثت مع مجلة «تايم» وذكرت لها أن الكونغرس قد يضطر إلى تقليص المساعدات العسكرية للمملكة وكذلك تقليص منح تأشيرات الدخول للمواطنين السعوديين في حال لم تتحرك الرياض بشكل صارم تجاه مواطنيها المتهمين بتمويل الإرهاب. هذا الكلام الممجوج يصب مرة أخرى في خانة الابتزاز الرخيص وهو فوق ذلك كذب كله فلا نعرف مطلقا أن الاميركيين يقدمون مساعدات عسكرية لبلادنا، إنهم يقدمون هذه المساعدات إلى «إسرائيل» فقط أما بلادنا فهي تدفع قيمة ما تشتريه من الأسلحة فعن أية مساعدات يتحدثون؟ وإذا كانت لديهم الرغبة في منع بيعنا مثل تلك الأسلحة من باب الابتزاز فيجب أن يعرفوا أن العالم كله مستعد لبيعنا ما نحتاج إليه منها، فليتوقفوا عن مثل هذا الكلام الذي لا قيمة له. مساعداتهم تلك يدفعونها لأكبر دولة إرهابية في العالم وهذه المساعدات تستخدم في قتل الأبرياء وتهديم منازلهم تحت سمع الأميركان وبصرهم وهم لا يحركون ساكنا بل انهم يتمادون في دفع المزيد من هذه الأسلحة وكذلك من التبرعات المالية لهؤلاء القتلة في الوقت الذي يتحدثون فيه عن الإرهاب وعن مقاومة الإرهاب ثم إذا كانوا يهددون بتقليص منح التأشيرات للسعوديين فهم فعلوا وفوق هذا التقليص فإنهم يذيقون السعوديين الأمرين عندما يدخل هؤلاء أميركا في إجراءات تعسفية لم يسبق لها مثيل.

وحسنا ان حكومتنا قررت أن تعاملهم بالمثل فهؤلاء لا يفهمون غير هذه اللغة ولا نقول: ان أرض الله واسعة وليس من الضروري أن يطرق السعوديون أبوابهم وأن يذهبوا إلى بلادهم بل إن مصلحة السعوديين ألا يذهبوا إليهم في مثل هذه الظروف.

إن الدفاع عن بلادنا واجب يتحمله كل فرد في هذه البلاد ولكن ينبغي معرفة كيف ندافع عن بلادنا وكيف نتحدث عن قضايانا وكيف ندافع عن ثوابتنا ولا نسمح لأحد أن يتدخل في شئوننا.

الضعف يقودنا إلى مزالق خطيرة لا تنتهي عند حد والآخرون قد يستغلون هذا الضعف - حين نظهره - بالمطالبة بالمزيد منه وعندها سينفرط العقد ويصعب جمع حباته مرة أخرى

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 122 - الأحد 05 يناير 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً