العدد 1219 - الجمعة 06 يناير 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1426هـ

مشاهدات مريرة عن واقع المرأة المسلمة

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

مقلقة تلك النداءات التي تتجه إلى المرأة في بلادنا من كل حدب وصوب، من دون أن تعترف بثابت أو دين أو ضابطة أو عرف.

ومرعبة أشد الإرعاب تلك النماذج النسوية المتفسخة التي تُقدم كقدوات عبر وسائل الإعلام المختلفة، والتي تدفع المرأة إلى اختزال نفسها في جسدها وجاذبيتها وإغرائها كأنثى تتفنن في إثارة الذكور من حولها.

ومخيف ذلك التحريض الدولي (أو المتبنى أحياناً من مؤسسات المجتمع المدني)، الذي يدفع المرأة بشعاراته المعسولة إلى خيار المواجهة والاصطدام بواقعها القائم.

لكن الذي لا يهضم أبداً هو ظلمنا وقسوتنا وتعاملنا الجائر مع المرأة في مجتمعنا. إنني هنا أكتب عن الواقع في عمقه الحقيقي، ولا أكتب عن بعض المجاملات العرفية العامة، فكلنا يعلم يقيناً أن واقع الحال يختلف تماماً عن مجاملاتنا الخارجية للمرأة، فمجاملات الواقع (وهي حسنة) تفرض علينا أن تتوقف السيارات إكراماً للمرأة كي تعبر الشارع، لكننا نعلم أن واقعها وتعاملنا معها مختلف تماماً حين تصل إلى منزلها وتغلق الباب عليها.

لقد حز في نفسي أن ننطلق من منطلقات دينية أحياناً لنمارس سلطة المنع والعرقلة لبعض قضايا المرأة الضرورية في بلادنا، لكننا في الوقت ذاته، نحجمها ونجحف بها حتى في وضعها الديني.

انني أكتب هذا المقال وأنا للتو قد اجتزت مسجد ميقات قرن المنازل (السيل الكبير) بالطائف متوجهاً إلى الحج.

حين تقف أمام مدخل المسجد وتنظر إلى المدخلين (مدخل الرجال ومدخل النساء)، تلحظ الفرق جلياً بين مدخل الرجال الذي يستوعب طائرة مفروشة الجناحين، ومدخل النساء الذي لا يتجاوز المترين. وإذا دخلت المسجد فسترى الفرق واضحاً في المساحة المخصصة للرجال والمساحة التي تقل عن الربع كثيراً وهي المخصصة للنساء. والملفت أن منفذ الدخول والمساحة المخصصة للنساء داخل الميقات ليست مخططة ضمن البناء، لكنها فُرزت بقاطع خشبي مؤقت، وهذا الفرز بالقواطع الخشبية المؤقتة والمساحات الضيقة للنساء يلحظ في غالبية، بل كل المساجد المترامية على طرق السفر في بلادنا، كما أنها الحال السائدة في غالبية المساجد الموجودة في المدن.

إن الإنسان ليحتار إذا كانت معه نساؤه وعائلته وقد حل عليه وقت الصلاة، أي مسجد يذهب بهم ليصلوا جميعاً، وفي غالبية الأحيان يترك الرجال زوجاتهم وبناتهم في سياراتهم، ويدخلون بمفردهم لأداء الصلاة. كل ذلك يكشف أننا لا نخطط بقدر كاف لاستيعاب المرأة واحتضانها في أماكن الفضيلة والقيم السامية.

أليس مزعجاً بعد الانتهاء من الطواف حول البيت أن يستحوذ الرجال بالصلاة وراء مقام إبراهيم (ع)، بينما تدفع النساء إلى مسافة بعيدة جداً لصلاة ركعتي الطواف - أنا لا أتحدث هنا عن عدم جواز الصلاة في ذلك المكان البعيد أو عدم قبولها كلا - إنني أتحدث عن نساء جئن من بقاع الأرض البعيدة وهن متعطشات لكل بقعة من بيت الله الحرام، فلماذا يروي الرجال ظمأهم ولا ننظر إلى المرأة نظرة عدل تمكنها من أخذ حصتها تماماً كما يأخذ الرجال متعتهم من العبادة؟

من مشاهداتي وأسفي على المرأة في الحج، أن الرجال في غير أوقات الصلاة كانوا يتحلقون حول الكعبة الشريفة ويمتعون أنظارهم برؤيتها من قرب، لا يفصل بينها وبينهم سوى جموع الطائفين، لكن هذا الأمر لم يكن ليتسنى للنساء اللاتي يؤمرن بالرجوع إلى الخلف وإلى مسافات بعيدة أحياناً. ولو أردت استدعاء أمر بعيد عن الحج لعرجت على المدينة الطيبة (المدينة المنورة) وأكدت أيضاً من واقع المشاهدة أن الوقت والمكان المخصص للرجال في الروضة الشريفة هو أضعاف ما يخصص للنساء. إن هذه الأمور تجدد السؤال في نفسي: لماذا لا نحتضن المرأة حتى في مثل هذه الأمور؟

إنني اعتقد أن الأمر يحتاج إلى الوضوح في بعض المفردات والمفاصل التي يمكن في ضوئها أن نتفاعل مع المرأة كنصف نعدِل بينه وبين الرجال في قسمتنا للأشياء.

الأول: لابد من إعادة النظر في رؤيتنا للمرأة، فلربما كانت بعض تصرفاتنا مبنية على فهم خاطئ لهذه المخلوقة المكرمة، وما أقصده تحديداً هو أن لا نغلب طابع الأنوثة في المرأة على طابع الإنسانية، ولا نقدم حوائيتها على عبوديتها وتذللها وتسليمها لله سبحانه وتعالى، فكثيراً ما تفرز النظرة الدونية بعض التصرفات التي تفتقد الحكمة والعدل والرؤية البعيدة للأشياء.

الثاني: من المهم جداً أن نعي حجم التحديات والتجاذبات المفروضة على المرأة في بلادنا، فهنالك تحديات أخلاقية تخوض المرأة فيها صراعاً مريراً بين أخلاقها وقيمها، وبين النموذج الآخر الذي لا يرى في هذه الأخلاق سوى أغلال تكبل المرأة عن التقدم والحرية والمعرفة.

كما أنها تعيش صراعاً محتدماً بين سلوكها الذي تمليه عليها عقيدتها وبين سلوك الانفلات والاستفادة من الجسد كوسيلة إغراء وإغواء للنصف الآخر من المجتمع. ويزيد من ألم المرأة عندنا تغيّر بعض المعادلات في الدول القريبة منا على صعيد التعامل مع المرأة، ما يزيد اندفاعها للتمرد على واقعها ويجعله أشد رسوخاً في نفسها.

الثالث: سيكون بعيداً عن المنال أن يتدين مجتمع أو يصلح حاله وأخلاقه وهو يربي نصفه على الفضيلة، ويزهد في احتضان النصف الآخر، والمتوقع أن تستفحل الأزمات في الأجيال المقبلة، إن لم تكن البنات والأمهات المربيات في مستوى عالٍ من الوعي والدين والصلاح.

عجباً... كيف نطلب من المرأة أن تكون مثالاً وقدوة ومربية حسنة، ونحن نضيق عليها سبل الصلاح ونغفل نصيبها فيما نوفر أضعافه للرجال

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1219 - الجمعة 06 يناير 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً